تراجع مؤكد في ربحية القطاع البنكي في 2007
حققت البنوك السعودية قفزات هائلة في ربحيتها خلال الأعوام الثلاثة التي سبقت انهيار سوق الأسهم، فارتفاع السوق المبالغ فيه كان إيجابيا للبنوك من عدة جوانب. فرسوم التداولات تضخمت مع ارتفاع أحجام التداولات اليومية حيث كانت معدلاتها في كانون الأول (ديسمبر) 2005، على سبيل المثال، تزيد على أربعة أضعاف قيمتها في كامل عام 2002، والقروض الشخصية ذات سعر الفائدة العالي جدا ارتفعت بشكل كبير حيث بلغت نهاية 2005 نحو 182 مليار ريال أو ما يزيد على ضعفي قيمتها نهاية 2002، وأرباح البنوك من التسهيلات التي تمنحها للمضاربين ورسوم صناديق الاستثمار نمت بشكل متسارع، كل ذلك مكن البنوك من مضاعفة أرباحها خلال فترة وجيزة.
نتائج البنوك في الربع الأخير من عام 2006، التي أعلنت أخيرا، أظهرت بما لا يدع مجال للشك أن الحفلة قد شارفت على الانتهاء وأن ربحية البنوك تأثرت بما تعرضت له السوق بشكل واضح، وأن المتوقع الآن تراجع ربحية البنوك في 2007. فرغم أن كل البنوك السعودية عدا السعودي الهولندي حققت نموا كبيرا في ربحيتها خلال عام 2006 مقارنة بمعدلاتها في 2005، تجاوزت نسبة هذا النمو لأحد البنوك 126 في المائة، إلا أن الاتجاه النزولي لهذه الأرباح خلال العام كان واضحا، فأعلى ربحية حققتها البنوك في الربع الأول من العام، ثم بدأ تراجع الأرباح ليبلغ أقصى معدلاته في الربع الرابع. على سبيل المثال، ورغم أن بنك الجزيرة حقق أرباحا صافية في عام 2006 بلغت 1.974 مليار ريال، إلا أن أرباحه في الربع الرابع لم تتجاوز 202 مليون ريال فقط، ما يعني أن البنك، حتى على افتراض محافظته في عام 2007 على نفس مستوى ربحيته في الربع الرابع، فإن أرباحه لن تتجاوز 808 ملايين ريال، أي بانخفاض تبلغ نسبته 59 في المائة عن معدلاته في 2006. وبالمثل ستتراجع أرباح البنك السعودي للاستثمار بنسبة 40 في المائة، و"سامبا" بنسبة 28 في المائة، و"ساب" بنسبة 23 في المائة، و"العربي الوطني" بنسبة 11 في المائة، و"الراجحي"، بعد استبعاد 500 مليون ريال أضيفت إلى أرباحه عام 2006 بعد كسب القضية التي كانت منظورة أمام لجنة الزكاة الاستئنافية، ستتراجع أرباحه في عام 2007 بنسبة 7 في المائة.
لذا، وبحسب إغلاق أسعار أسهم البنوك يوم الأربعاء الماضي، فإن مكررات ربحية البنوك، على افتراض قدرتها على المحافظة على معدلات ربحيتها في الربع الرابع من عام 2006، سترتفع في 2007 مقارنة بمعدلاتها عام 2006 بشكل كبير، وسيعتمد هذا الارتفاع على مدى انكشاف البنك على سوق الأسهم. فمكرر ربحية بنك الجزيرة سيرتفع من 11 مكررا إلى 27، وبنك الاستثمار من 8.1 إلى 13.6، و"سامبا" من 12.6 إلى 17.5، و"ساب" من 12.7 إلى 16.5، و"الراجحي" من 15.7 إلى 16.9. الأمر الذي يفسر الضغط الكبير الذي تتعرض له أسعار أسهم القطاع البنكي حاليا، فأرباحها في الربع الأول من هذا العام ستقل، على الأغلب، حتى عن معدلاتها في الربع الأخير من العام الماضي، في ظل استمرار تدني قيم تداولات السوق، ومواصلة القروض الشخصية تراجعها، وانخفاض تسهيلات البنوك للمضاربين، ومواصلة قيم صناديق الاستثمار تراجعها الحاد، واضطرار البنوك لرفع مخصصات الديون المشكوك في تحصيلها مع تفاقم مشكلة مديونية المتداولين. كما يتوقع المستثمرون تراجع التوزيعات النقدية للبنوك في ظل قيام معظم البنوك برفع رأسمالها أخيرا من خلال رسملة احتياطياتها ما يضطرها إلى إعادة بناء احتياطياتها من جديد والحد من توزيعاتها النقدية. ما يجعل من الضروري دراسة الدور الكارثي الذي لعبته البنوك في ارتفاع سوق الأسهم بصورة مبالغ فيها ثم انهيارها الحاد لاحقا. فالبنوك من خلال إسرافها في منح القروض الشخصية التي كان معظمها يتدفق إلى سوق الأسهم، وتسهيلاتها المبالغ فيها للمضاربين في السوق، وتنافسها الحاد على اجتذاب المستثمرين لصناديقها الاستثمارية، أسهمت في إذكاء حدة المضاربات وارتفاع السوق بحدة، وكان الأولى ألا تبالغ البنوك في اندفاعها وأن تكون أكثر حذرا وتأخذ في اعتبارها تراجع السوق المؤكد في ظل الارتفاع الحاد للسوق. إلا أنها، وفي ظل غياب أي دور رقابي فاعل من قبل مؤسسة النقد، دخلت فيما بينها في منافسة محمومة لاقتطاع أكبر جزء من كعكة السوق، دون اعتبار لتأثير ذلك على استقرار السوق المالية، وما قد يسببه انهيارها من معاناة وتدمير لمدخرات المتداولين. شجعها على هذا التمادي امتلاكها كافة الضمانات التي تجعلها محمية من دفع أي ثمن لسلوكها وتهورها، فكامل الضرر سيقع على عاتق عملائها، وكل ما قد ينتج عنه بالنسبة للبنوك هو تراجع معدلات ربحيتها لا أكثر. فالقروض الشخصية مضمونة برواتب المقترضين المحولة قسرا إلى البنوك، وتسهيلات المضاربين مضمونة برهن أسهمهم وكون التداولات تتم عن طريقها ما يسهل عملية تسييلها، وتفرض البنوك رسوما عالية على صناديقها الاستثمارية حتى مع تبخر موجوداتها ونزفها المستمر.