التعرض لولاة الأمر والعلماء والإساءة لهم يعتبر جريمة كبيرة

التعرض لولاة الأمر والعلماء والإساءة لهم يعتبر جريمة كبيرة

أكد الشيخ الدكتور علي بن محمد باروم الأستاذ في كلية الشريعة في جامعة أم القرى في مكة المكرمة أن من يطلق لسانه في أعراض ولاة الأمور والعلماء وأصحاب الكلمة والرأي في الأمة قد ارتكب جرماً ليس كأي جرم، فهو لو اغتاب مثلاً واحداً من سقط الناس لكتبت عليه غيبة وكتبت عليه سيئة؛ ولكن اغتيابه العلماء والدعاة واشتغاله بمثالبهم وحرصه على تتبع سقطاتهم فإن هذا يعتبر جرماً كبيرا بحق نفسه، فالموفق هو الذي يوفق لصون لسانه عن الوقوع في أعراض الناس، وليجعل الإنسان نصب عينيه قول الله عز وجل: (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ( [قّ:18]. يجب على العبد أن يجعل نصب عينيه مراقبة الله عز وجل له. وقال: يجب على كل من أطلق لسانه في أعراض الناس خصوصاً أهل العلم والفضل أن يراجع نفسه وهو بين أمرين أحلاهما مر، إما أن يكون وافق أمراً حقيقياً هو اغتيابهم وكفاه جرماً أن يكون أكل لحومهم، وفي هذا الباب يقول الله عز وجل: (وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ([الحجرات: من الآية12]، هذا إن كان ما ذكره فيهم حقاً فهو غيبة، والرسول صلى الله عليه وسلم عرّف الغيبة بقوله: "ذكرك أخاك بما يكره"، وإما ألا يكون فيه ما يقول فقد بهته، وأي جرم أعظم من البهتان! والله عز وجل يقول في محكم كتابه: (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُهِيناً * وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِينا( [الأحزاب:57، 58]، فأي جرم أعظم هذا أن يقع الإنسان في هاتين السوأتين! فالأولى هي الغيبة والأخرى هي البهتان، فينبغي للعاقل الحصيف أن يحفظ لسانه من أعراض الناس وأن يشتغل بما ينفعه بين يدي الله عز وجل بكثرة ذكر الله سبحانه وتعالى وحمده وحسن الثناء عليه وقراءة القرآن والتحدث بنعم الله سبحانه وتعالى بدل أن يطلق عنان لسانه في عرض هذا وعرض هذا، وهذا الذي يتتبع أعراض الناس لو أنه تتبع سقطات نفسه لانشغل بها عن سقطات الآخرين، وكلنا ذوو نقص، فينبغي للإنسان أن يشتغل أخطاء في نفسه ليصححها لا أن يشتغل بأخطاء الناس. نسأل الله عز وجل أن يعصم ألسنتنا عن الوقوع في أعراض المسلمين وأن يوفقنا لاستثمارها في طاعة الله رب العالمين.
وتناول فضيلته تبرم بعض الناس وتضايقهم عندما تحدث لهم بعض المصائب فقال: يجب على الإنسان أن يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه، وأن كل ما يحصل للإنسان فهو بقضاء الله عز وجل وقدره، ولكن يجب على الإنسان أن يعلم أن تغير حاله يكون بسبب معصية وجرم ارتكبه في حق الله وحق نفسه وحق أحد من المخلوقين فيعاقبه الله سبحانه وتعالى بتغيير حاله، ولهذا يقول الله عز وجل: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ( [الروم:41]. وقد ذكر الله سبحانه وتعالى مثالاً لذلك في عقابه لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يوم أخطأ الرماة يوم أحد، وحصل ما حصل من غلبة الكافرين على أولياء الله المسلمين وقد قال الله سبحانه وتعالى عنهم: (أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ( [آل عمران:165]، فبسبب جرم الإنسان نفسه يتغير حاله، فليفتش الإنسان في نفسه وفي حاله وليحاسب نفسه لينظر بعد ذلك السبب الذي غير حاله من السراء إلى الضراء أو نحو ذلك، وهذا هو الذي ارتقى بسلفنا الكرام رضي الله عنهم وأرضاهم، فالواحد منهم يقول حُرمت قيام الليل عشرين سنة بسبب نظرة لا تحل لي، فانظر - رعاك الله - إلى دقة هذه المحاسبة عرف من أين أُتي، بسبب نفسه ومعصيته ولم يلق باللائمة على غيره، وأحياناً يكون العبد صالحاً مستقيماً؛ ولكن الله عز وجل يريد أن يبتليه بتغيير حاله أحياناً، فالمؤمن الموفق إذا ابتلي وكان على استقامة قال: إنا لله وإنا إليه راجعون، ولقد قال الله عز وجل: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ([البقرة: 155- 157].
ودعا فضيلته إلى البعد عن استخدام الإنترنت في الإساءة للآخرين وقال إن هذه الوسيلة من الوسائل التي يمكن الاستفادة منها استفادة بالغة بتسخيرها في طاعة الله كالدعوة إلى الله وتبني المشروعات الهادفة في مثل هذا، ومن الناس للأسف من يستخدم هذه الوسائل التي يمكن تفعيلها في الخير يستخدمها فيما يجلب عليه الوبال في الدنيا والآخرة، فمثل هذا ينبغي له أن يكف عن استعمال مثل هذه الوسائل إن كان لا يضبط نفسه في استخدامها، فالضابط الشرعي في مثل هذا أن من عرف من نفسه حسن تصرفه في هذه الوسيلة فلا حرج عليه حينئذٍ أن يدخل إليها ويستغلها في طاعة الله سبحانه وتعالى ومن عرف من نفسه أنه لا يقدر فالواجب عليه أن ينكف وألا يستخدم هذه الوسيلة، بل يحرم عليه استخدامها إذا ما تيقن أنه سيفتتن بها .
وحث فضيلته الشباب من أن يستثمروا طاقاتهم فيما يعود عليهم بالنفع بعيدا عما يجر عليهم الويلات في هذا الباب وطالبهم بعدم التشبه بغير المسلمين وتقليدهم وخصوصا الشباب المحب للرياضة الذي يلاحظ على بعضهم تقليد غيرهم دون إدراك لخطورة ذلك عليهم وممارسة الرياضة ولا مانع منها ما لم تجر إلى محرم، فليحرص الشاب على الاستفادة من الرياضة فيما يقوي بدنه، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: "المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير، احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز ولا تقل لو أنه كان كذا لكان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل". فالشاب الموفق هو الذي يستغل شبابه ونشاطه ومحبته للرياضة فيما يجلب له النفع في العاجل والآجل.. وأما في باب التقليد فيقول صلى الله عليه وسلم: "من تشبه بقوم فهو منهم، فالواجب على الشاب وإن أحب الرياضة ألا يقلد غير المسلمين فيما يخالف أمور دينه سواء في قصات الشعر أو الرقص أو غير ذلك، بل يجب ألا تشغله الرياضة عن الواجبات الشرعية، فمثلاً الصلوات، فيجب ألا يضيع الشاب صلاته لأجل اللعب، كذلك الحقوق والواجبات التي تجب عليه لوالديه فينبغي ألا يضيع الحق الخاص بهم على أي حال كان، كذلك عليه ألا ينساق الشباب وراء الشعارات الزائفة وأن يكون بعيدا عن الفكر المنحرف الذي يسيء لدينه ووطنه بل يجب أن يكون عاملا مساهما في نصرة دينه ووطنه وألا يكون أداة في يد من يسيء لهذه البلاد ويستهدفها.. ونسأل الله لشبابنا أن يكونوا متمسكين بأمور دينهم وعقيدتهم والسير فيما يحب ربهم ويرضى، إنه سميع مجيب.

الأكثر قراءة