تعثر المشروعات الحكومية .. نقص الخبرة وضعف القدرة
أصبحت قضية تعثر المشروعات الحكومية أو تأخر تنفيذها من القضايا المهمة التي خُصصت لها الندوات العلمية وورش العمل، وحظيت باهتمام القيادة والمجتمع على حد سواء، لذلك نُوقشت مرات عديدة من قبل مجلس الوزراء، ومجلس الشورى، والمجلس الاقتصاد الأعلى، وذلك لما يترتب على ذلك من هدر للأموال العامة، وتعطيل لمصالح المواطنين من جراء التعثر والتأخر في التنفيذ، ولا يقل عن ذلك أهمية تأثيرها السلبي في مخرجات التنمية بشكل عام.
ولا شك أن اعتماد مجلس الوزراء الموقر ـــ قبل أيام ــــ لآلية معالجة أسباب تأخر أو تعثر إنجاز المشروعات التنموية الحكومية، استجابة لتوجيهات خادم الحرمين الشريفين القاضية بتقصي الأسباب التي تعوق تنفيذ المشروعات التنموية وبحث الحلول الممكنة لها، يعكس اهتمام القيادة بضرورة تصحيح الوضع والحد من الهدر الذي يقدر بمئات مليارات الريالات، خاصة إذا علمنا أن نسبة المشروعات المتعثرة ليست صغيرة، بل تتجاوز نصف المشروعات، إن لم يكن أكثر.
وعلى الرغم من الحاجة الماسة لمعرفة أسباب تعثر كل مشروع بذاته وفقاً لطبيعته وظروفه، فإن الأسباب العامة باتت واضحة ومعروفة من كثرة الكتابة عنها في الصحف والحديث عنها في المجالس ووسائل الإعلام المسموعة والمرئية. فمن أبرزها: 1) الخلل في التخطيط والتصميم ومواصفات المشروعات وتقدير التكاليف لكثير من المشروعات، فبعض الجهات كالبلديات ــــ مثلاً ــــ هزيلة من حيث الإمكانات البشرية، ولا تستطيع القيام بالتخطيط وتحديد المشروعات ذات الأولوية. 2) نقص الخبرة وضعف القدرة على إدارة المشروعات والإشراف عليها من قبل كثير من الجهات الحكومية لعدم وجود الكفاءات المتخصصة لديها. 3) تدني إمكانات المقاولين المحليين من النواحي الفنية والمادية، ما ينعكس سلباً على جودة إنجاز المشروعات أو التأخر في إنجازها. 4) عدم وجود قاعدة بيانات عن المقاولين توضح إنجازاتهم وإمكاناتهم وخبراتهم. 5) غياب الشفافية حول المشروعات وميزانياتها وعقودها. 6) ترسية بعض المشروعات على مقاولين لا تتوافر لديهم الإمكانات لإنجازها، إما لانشغالهم بمشروعات أخرى وإما لضعف طاقاتهم. 7) إسناد كثير من المشاريع أو أجزاء منها لمقاولين بالباطن بجزء يسير من التكلفة الإجمالية دون أخذ موافقة الجهة المالكة للمشروع. 8) ضعف كفاءة لجان التسلم الابتدائي والنهائي للمشروعات، إما لعدم قدرتها على إبراز الأخطاء وجوانب القصور وإما تجاهلها لتلك الأمور. 9) نشوء نزاعات مع جهات حكومية أو مواطنين حول مواقع المشروعات، وعادة لا تنشأ هذه النزاعات إلا عند الشروع في التنفيذ، مما يعطل المشروع فترة طويلة.
في الختام لتصحيح وضع المشروعات الحكومية، والحد من تعثرها والتأخر في تنفيذها، فإن الأمر يتطلب ما يلي: أولاً: تنفيذ توجيهات خادم الحرمين الشريفين بتقصي أسباب تعثر كل مشروع ومعالجته من خلال اللجنة الدائمة المشكَّلة في الديوان الملكي لمتابعة ومراجعة تنفيذ المشروعات التنموية والخدمية، وذلك من خلال إعداد تقرير تفصيلي عن الأسباب الحقيقية وراء تعثر كل مشروع ونشر النتائج بشفافية كاملة. ثانياً إنشاء "هيئة للتنمية والأشغال العامة" يمكن أن تتحول إذا أثبتت فاعليتها إلى وزارة مستقلة لإدارة مشروعات التنمية والإشراف عليها. ثالثاً، تزويد "نزاهة" بنسخة من عقود المشروعات للتحقق من سلامتها من النواحي القانونية والمالية والإدارية. رابعاً: النظر في إجراءات إعداد الميزانية (العتيقة) التي تعطي الاعتبارات المالية اهتمامها الأكبر على حساب المسائل الأخرى، وتفتقر إلى الشفافية ووضوح الإجراءات.