رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


أيها الموظفون .. لنغير بؤرة اهتمامنا تجاه الإنسان المراجع

[email protected]

يتميز الموظف الحكومي في بلادنا العزيزة بقدرته على ابتداع نظام وصناعة إجراء في لحظة من رأسه الكريم حتى بات الجميع يده على قلبه وهو يراجع في أي معاملة حكومية وإن كان حاملا شنطة كاملة من الأوراق المطلوبة وغير المطلوبة، فالموظف سلطة متسلطة بما لديه من لوائح وإجراءات فضفاضة تشتمل على الجوازية في كل فقرة من فقراتها، كما أن لديه السلطة في تفسير ما يراه من أوراق فضلا عن سلطته في فرض الوقت الذي يشاء لإنجاز المعاملة التي بين يديه.
هذا واقع نعيشه جميعا ويثخننا بالجراح النفسية العميقة التي تزورنا حتى في أحلامنا إضافة للجراح الحقيقية التي تصيبنا نتيجة تفويت فرصة أو وقوع مشكلة بسبب الرفض أو التأخير التعسفي وغير المبرر، والذي يستغربه الجميع أن هذا الواقع مستمر رغم أنه يلحق الضرر بنا جميعا، فالمراجع منا في دائرة حكومية غالبا ما يكون موظفا في دائرة حكومية أخرى أو موظفا في أحد القطاعات الخاصة ذات العلاقة المباشرة بالمواطنين، فلماذا لا يؤثر الضرر الذي يلحق بأحدنا نتيجة تعسف أو تباطؤ موظف في دائرة أخرى بشكل إيجابي "بدلا من السلبية" لنتعامل مع المراجعين في عملنا بذوق وأدب وننجز معاملاتهم بكل أريحية، أم أن ما نتعرض له من مواقف سلبية يجعلنا ننتقم ممن يراجعنا لنتشفى ولننتصر لأنفسنا حتى ولو كان هذا التشفي من مراجع لا دخل له بما لحق بنا من ضرر من موظف آخر؟
الحقيقة إن تشخيص أسباب سلبية الموظف وسيادة روحه التعسيرية على روحه التيسيرية قضية ليست بالسهلة ولو تم لنا ذلك لقطعنا نصف الطريق نحو الحل، ولكن ما أراه يقول إن لسان حال معظم الموظفين اليوم ينادي بالتصلب وتعقيد الأمور أمام المراجعين من أجل اجتناب الوقوع في الأخطاء والتعرض للمساءلة، فمن يعمل قليلا ويسَوف ويؤجل الأمور ويراهن على الزمن وعلى تطفيش المراجعين سيتجنب الوقوع في الأخطاء، وبالتالي ستتم مكافأته على حسن صنيعه، نعم، إن محور تفكير معظم الموظفين اليوم يتمركز حول أنفسهم متناسين المراجع الذي تم توظيفهم من أجل خدمته ورعايته وجعلوا منه رقما لا إنسانا رقما جاء وغادر دون أن يهتم به أحد، هل حصل على ما جاء من أجله بالجودة المطلوبة وفي الوقت المناسب؟ هل غادر وهو يشعر بالسعادة والرضا؟ أم أنه غادر وهو يلعن الساعة التي راجع هذه أو تلك المؤسسة في ها؟!
وكوني موظفا أعمل في إحدى المؤسسات الحكومية التي تقدم إحدى الخدمات الأساسية للمواطنين قمت بمراقبة سلوكيات الموظفين أثناء تعاملهم مع المراجعين سواء من خلال الهاتف أو التواصل المباشر ولاحظت أن معظم الموظفين يتركز تفكيرهم في عدم الوقوع في الخطأ الذي قد يؤدي بهم للمساءلة، ولم ألحظ إلا على القليل منهم توجيه تفكيره وسلوكه تجاه خدمة المراجع وكيفية تطوير هذه الخدمة ومدى رضا المراجع عما حصل عليه من خدمة.
لذلك قطعت على نفسي عهدا بتغيير نظرتي للمراجع بتحويله من مجرد مراجع إلى إنسان ذي مشاعر ومشاغل وهموم وتطلعات، إنسان يفرح ويحزن ويدعو الله أن يسهل أمري أو يعسره حسب نوعية تعاملي معه، ثم طورت تعاملي مع المراجعين وأصبحت أكثر قربا منهم وأهتم لمشاعرهم وكلفت بعض الموظفين بالاتصال العشوائي على عدد من المراجعين للتأكد من مدى رضاهم عن الخدمة. وأصبحت وفريق العمل دائم التفكير في كيفية تطوير العمل بما يحقق سعادة المراجع، ولله الحمد، كانت النتائج أكثر من المتوقع، حيث أصبحت وفريق العمل أكثر راحة ونشاطا وإنتاجا مما جعلنا نحقق ذاتنا وننال رضا مسؤولينا ورضا الخالق، إن شاء الله، الذي أمرنا بإتقان العمل والتعامل مع الناس بالحسنى.
إن تغيير بؤرة الاهتمام من الاهتمام بحماية الذات إلى الاهتمام بالمراجع باعتباره خدمته وتحقيق رضاه هي الغاية المنشودة، أصبحت جهودنا تتراكم في المسار الصحيح مما يؤدي إلى الاقتراب من الهدف بخلاف الماضي، حيث كنا نبذل الجهود في المسار الخاطئ مما يجعلنا نبتعد عن الهدف المنشود كلما بذلنا المزيد من الجهود. نعم، إن التركيز على حماية الموظف لنفسه تجعله يتشدد في الإجراءات ويضيف المزيد من الشروط ويسوف لعل التأخير يكشف له ما لا يراه حاليا. وكل ذلك لا شك أنه ماحق للجهد والبركة بل إنه يحيد بالمؤسسة عن أهدافها ويسبب المزيد من الضيق للمراجعين الذين تتأخر مصالحهم بسب هذا التركيز الأناني، أما حينما ركزنا اهتمامنا تجاه المراجع، فقد أصبحنا أكثر مرونة وقللنا الإجراءات التي لا داعي لها والإجراءات التي تستهلك وقت وجهد المراجع، وأصبح جُل اهتمامنا إنجاز مصالحه بأقل وقت ممكن باستخدام الإمكانات الحديثة كافة وهو ما أكسبنا رضاه ورضا المسؤولين الذين خفت الشكاوي لديهم.
ختاما، أقول أيها الموظفون الكرام إذا جعلتم بؤرة تركيزهم رضا المراجع ستصبحون أكثر قوة وصلابة وتحملا للمسؤولية وستحققون تطورات متسارعة في مجال عملكم ينعكس عليكم وعلى المراجع وعلى المجتمع الذي أنتم جزء منه بالخير والفائدة، فلا تحرموا أنفسكم ولا تحرموا المجتمع ذلك.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي