البورصات الخليجية... من الكلاسيكية إلى السريالية!!!
يتعمق مفهوم الثقافة ـ وبالذات الاقتصادية ـ من خلال تنوع وتعدد الخبرات، وسوق الأسهم ليس هو الاقتصاد وإنما جزء بسيط منه، وبالذات في الدول الخليجية. ولكن وبفترة وجيزة بلغت قيمة أسواق الأسهم الخليجية ثلاثة أضعاف الناتج المحلي في بعض الدول الخليجية. وبكل أسف كان هناك من طبل وزمر لهذا الإنجاز رغم أن ذلك، وكما نعيش الآن، له نتائج وخيمة على الاقتصاد وعلى الجانب الاجتماعي أيضا. وبكل صراحة هناك قصور واضح في التعاطي مع الشأن الاقتصادي على كثير من المستويات. وقد يكون السبب أن هذا الشأن وحتى عهد قريب كان شأنا نخبويا بحتا، ولم يكن يمس مباشرة الشريحة العريضة من المجتمع. ولكن بفضل أسواق المال التي فتحت على مصراعيها كانت النتيجة مثل أن تسكن في البيت قبل إنجازه بشكل كامل.
هذه المقدمة كانت ضرورية لتوضيح أن المرء يصاب بحيرة كبيرة فيما يجب أن يُقال في هذه المرحلة التي يعيشها سوق الأسهم، ليس بسبب عدم معرفة توجه السوق أو ما أسباب هذه الحالة التي يعيشها السوق، فقد تحدثنا شفاهة وكتابة عن ما يجري منذ عام 2004م وحتى تاريخه، وبكل أسف كل ما حذرنا منه حدث وبسرعة نحسد عليها، وكنت أتمنى أن تكون سرعة إنجاز الأعمال في القطاع الخاص والعام بمثل سرعة انهيار سوق الأسهم!!!
سبب الحيرة هو عدد من الحقائق حول كثير مما يجري في السوق والفعل وردة الفعل ومع المستثمرين في السوق. وعلى سبيل المثال ما حدث يوم السبت 13 كانون الثاني (يناير) 2007م، من إيقاف لسهم شركة بيشة الزراعية (مع العلم أن ما نسبته 246 في المائة من رأسمالها مستثمر في سوق الأسهم، وليس في الزراعة ومع ذلك تسمى وتصنف في قطاع الزراعة)، حيث تراجع المؤشر بما يزيد على 4 في المائة في ذلك اليوم (السبت 13 كانون الثاني (يناير) 2007م)، ومعظم الشركات تراجعت فيما عدا ثلاث شركات أسمنت فقط. والسؤال: لماذا تتأثر جميع الأسهم بسبب قرار يخص شركة، أعتقد أنها تستحق أكثر من هذا القرار بناء على حقائق الشركة؟
وسبب الحيرة الثاني أن يخرج المسؤول الأول عن الشركة على الهواء مباشرة وعبر وسائل الإعلام والشركة بهذه الصورة المزرية مالياً وإدارياً ويقول كلاما لا يقبله عقل ولا منطق!!! ولكن من أمن العقاب ...!!! أولى الملاحظات على كلام المسؤول عن الشركة أنه حاول إقحام كلام خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله - في حديثه من باب ذر الرماد في العيون، وإلا ما دخل أن يقول إن الملك طالب بتكوين كيانات كبيرة ويحث على الاندماجات وبين شركة ما يزيد على 90 في المائة من رأسمالها بسبب سوء الإدارة!!! يا أخي المسؤول العزيز ما يقصده الملك - حفظه الله - هو تكوين كيانات اقتصادية قوية قادرة على المنافسة في القطاعات الاقتصادية المحورية للمنافسة وتحقيق طموحات الدولة في البناء النمو، وليس كيانات قادرة على مزيد من التدهور في أصول الشركات بكل كفاءة واقتدار من قِبل إدارات تلك الشركات. النقطة الثانية في حديثه عن أن الشركة أفضل من وضع شركات أخرى بالنسبة لقيمتها السوقية والتي أقفلت يوم الأربعاء (تاريخ التوقيف) على 69.25 ريال، فيما هناك شركات تتراجع الآن بشكل أكثر. إنه قمة المأساة أن يستمر مدير شركة في تضليل المساهمين على الهواء مباشرة وهو يعلم أن الشركة في طريقها إلى التصفية، ولا حلول إلا إذا رغب المستثمرون، سواء المالكين الحاليين أو الجدد في تعويض إدارة الشركة بما خسره رأس المال الذي خسر أكثر من 90 في المائة من قيمته، وهو أمر مستبعد إلا إذا فقد الجميع عقله. إذن كيف نتحدث عن سوق مال وشركات يتداول أسهمها ومسؤول إحدى الشركات المتداول أسهمها يحاول عكس الحقائق بكل بساطة. أين المسؤولية؟ وأين الحقوق؟ وأين المحاسبة؟ كنت أتصور أن يقدم المسؤولون عن الشركة استقالتهم كأقل إجراء وذلك مباشرة بعد قرار هيئة سوق المال!!! مع أني كنت أتمنى أن يكون هناك قرار رسمي بمساءلة المسؤولين عن الشركة قانونيا. وما زلت أتمنى ذلك الإجراء من المساهمين!
وكل ما سبق هو غيض من فيض الحيرة في كيفية تعاطينا مع أسواق الأسهم عموماً ومخالفات الشركات خصوصاًً. هل نعلم أنه وحتى عام 2003م كانت أسواق الأسهم تعتبر إلى حد ما نخبوية ولا يتعاطى معها إلا عدد قليل من المستثمرين (50 ألفا تقريباً)، بينما لدينا في المملكة حتى الآن ما يزيد على 3.6 مليون مستثمر في تداول. أنا لا ألوم الأفراد، فالثقافة الاستثمارية لهؤلاء الأفراد قد لا تسمح بأحسن من تلك الطريقة في التعاطي فيها مع السوق. ولكن ألوم مرتكزات أخرى مهمة في الأرجل الأربعة التي تقوم عليها لأسواق المال، والتي تتلخص في الهيئات الرقابية والشركات المتداول أسهمها والإعلام الاقتصادي، والذي لا يقل تخبطها عن تخبط الأفراد في التعامل مع سوق الأسهم. فقد شاهدنا في السابق وعلى مدار ثلاث سنوات كل المحاولات لإيجاد تبرير لكل ما يحدث في سوق الأسهم من دون جدوى.
لقد تغيرت الصورة بشكل كامل وتحولت الصورة النمطية، والتي هي أقرب إلى الكلاسيكية لتصل إلى مرحلة من الضبابية، وعدم الوضوح وهي الصورة السريالية، رغم أن الجانب الرسمي قد لا يتفق مع هذا المفهوم، لأن لديه الصورة الكاملة والتوجه ولكنه غير واضح للجميع. وعندما يتخذ قرار التنظيم يجب أن يكون واضحا وصريحا ويطبق بكل شفافية، وكلي أمل أن يستمر هذا التوجه في تنظيم الأسواق، وأن تتلاشي الصورة الضبابية تدريجيا، ولكن صدقوني هيئات أسواق المال لا تستطيع العمل لوحدها مهما أعطيت من صلاحيات من دون التعاون التام واللصيق مع الركائز الرئيسة لأسواق المال، والتي يدخل كما ذكرنا من ضمنها الإعلام والشركات المتداول أسهمها حتى يمكن أن تصل إلى بر الأمان للجميع. المحصلة النهائية أن الفأس قد وقع بالرأس ولا يمكن عمل الكثير في هذا الاتجاه. ولا يمكن تحميل المسؤولة جهة دون أخرى، كما يفعل الجميع ويحاول الرمي بالكرة في ملعب الآخر. ولا أعتقد أنه يمكن الآن البحث عن كبش فداء آخر لتحميله المسؤولية كما حدث في السابق.
وفي الختام هناك حاجة واضحة لغربلة الكثير من الترسبات والمفاهيم قبل أي شيء آخر. أعتقد أنه الحل الأسلم للإصلاح الاقتصادي، فالمواطن هو الذي سوف يتعامل مع هذا الإصلاح، ويجب أن يكون في المستوى الذي يستطيع من خلاله فهم الوسائل والأساليب التي ستؤثر في قراراته واستثماره. وكل عام وأنتم بخير بمناسبة قرب بداية العام الهجري الجديد.
محلل مالي