رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


خطة التنمية العاشرة ومنهجية جديدة

بدءاً، تُعرف ''التنمية'' بأنها تغيير مقصود ومخطط له يؤدي إلى توسع اقتصادي ونمو في الدخل القومي، يواكبه تحسن في دخل الفرد وتلبية لاحتياجاته الضرورية، ومن ثم الوصول إلى أعلى مستوى ممكن من المعيشة والرفاهية. ولكن مفهوم التنمية البشرية أوسع وأشمل من ذلك. فهي ''تنمية الناس، وللناس، ومن قبل الناس''، بمعنى أنها ''عملية توسيع الخيارات المتاحة أمام الناس''. ومن جهة أخرى، يُقصد بمفهوم التنمية المستدامة Sustainable Development ''التنمية التي تحقق احتياجات الحاضر دون الإضرار أو التضحية بمقدرات الأجيال القادمة''. والتنمية بمفهومها الاقتصادي والبشري والاجتماعي الهدف الرئيس لخطط التنمية في المملكة.
بعد هذه المقدمة المختصرة لمقال اليوم، لا أخفي سعادتي الغامرة بقراءة خبر مفاده أن وزارة الاقتصاد والتخطيط تشكل لجانا لمتابعة قضايا التنمية في ''المناطق الإدارية''، فهذه الخطوة تعطي الأمل باعتماد الوزارة منهجية أكثر واقعية وأعظم فاعلية من منهجية ''الوصاية'' أو ''التخطيط من برج عاجي''، تلك المنهجية التي سارت عليها الوزارة عقودا من الزمن. ففي الماضي كان ''الخبراء'' يرسمون ملامح خطة التنمية دون فهم عميق لواقع التنمية أو دراسة دقيقة للأوضاع المعيشية في المناطق الإدارية، ما عمق الخلل في توازن التنمية المكانية في المملكة.
لا بد من تبني منهجية رصينة للتخطيط الاستراتيجي الفاعل، واستخدام المنهج الكيفي جنبا إلى جنب مع المنهج الكمي في الدراسات التي تشكل الخلفية الأساسية لبناء خطة التنمية، لا يكفي الاعتماد على نماذج التنبؤ الرياضية أو بيانات التعداد ومسوحات القوى العاملة التي لا تبرز الصورة كاملة في كل الأحوال، ما يتطلب الوقوف على أوضاع المناطق والاجتماع بالمجالس واللجان ذات العلاقة، والتحدث مع الأهالي إن تطلب الأمر.
لا نريد أن تكون خطة التنمية ''كتابا'' جميلا لا يمت للواقع بصلة، كما كان عليه الحال في الماضي، ولا نتمنى أن تلهث خطط التنمية لمواكبة التغيرات التي يشهدها المجتمع ومعالجة المشكلات التي تبرز نتيجة ضعف التخطيط، بل نتمنى أن تستطيع الوزارة بخططها التنموية قيادة التغيير والإسهام في إحداث التغيير الإيجابي من خلال التخطيط الاستراتيجي المدروس والعادل والمتوازن! فعلى سبيل المثال، لم تبادر خطط التنمية في تبني البرامج والمشاريع الفاعلة للوقاية من بروز المشكلات التي تؤرق المجتمع الآن، ولكنها تعالجها بعد استفحالها، بدءا بأزمة القبول في الجامعة قبل سنوات، وتفاقم مشكلة الفقر، وارتفاع معدلات البطالة، وبروز أزمة الإسكان! لم تكن خطط التنمية فاعلة بالقدر الكافي لافتتاح جامعات في الوقت المناسب، ولم تكن مؤثرة في الحد من تفشي الفقر بين فئات المجتمع، ولم تكن قادرة لتبني برامج لبناء الإنسان وتوطين الوظائف، ولم تكن مشجعة للاستثمار وتخفيف حدة النقص في الإسكان، ولم تسع لتحسين الخدمات الصحية المتدهورة!
لا شك أن تكليف لجان متخصصة لزيارة المناطق ودراسة أوضاعها التنموية وتلمس احتياجاتها الضرورية، أمر تُشكر عليه الوزارة ويُحسب لوزيرها الفاعل والمخلص، ولكن لدي بعض الملحوظات التي آمل أن تلقى آذانا صاغية وقلوبا مفتوحة، أولا: آمل ألا يقتصر الأمر على زيارة ''شكلية'' لمقر الإمارة والاجتماع بأعضاء مجلس المنطقة، لأن بعض المجالس غارقة حتى أذنيها في قضايا المدن الرئيسة على حساب بقية المحافظات في المنطقة الإدارية، لذلك أقترح أن تقوم اللجان المكلفة بزيارة جميع المحافظات والاطلاع على أوضاعها. ثانيا: لا بد من إعداد خطة عمل واضحة، واتباع منهجية دقيقة، لضمان نتائج دقيقة ومفيدة، وإلا سيكون هناك تفاوت في عمل اللجان من منطقة لأخرى، وقد تُظلم بعض المناطق لضعف اللجان التي تزورها ولغياب منهجية محددة سلفا، ثالثا: ينبغي أن يحظى اختيار اللجان باهتمام كبير بحيث تكون متنوعة ومدعمة بأعضاء من داخل الوزارة وخارجها، ومن أصحاب العلم وذوي الخبرة والاختصاص بالمشكلات التنموية التي تعاني منها المناطق. رابعا: أقترح أن تقوم الوزارة -بعد الانتهاء من المسودة الأولى للخطة- بتنظيم ورش عمل في مختلف المناطق والجامعات وعرض مسودة الخطة، لكي يُستفاد من وجهات نظر المستفيدين والخبراء.
في الختام أدعو الله أن يوفق الوزارة في جهودها لتنمية الموارد البشرية وتوسيع الخيارات أمامها، وتعزيز البحث العلمي، ومواصلة الإصلاح المؤسسي، وتحسين آليات تنفيذ البرامج والمشاريع التنموية، وتعزيز شبكة الأمان الاجتماعي ورعاية الأسرة والمجتمع.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي