رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


عايض القرني .. شاعر الركاكة

قبل أن ينطلق المدرعمون لمهاجمتي وهم لم يكملوا قراءة المقال أقول: إنني واحد من متابعي الشيخ عايض القرني، وأحترم الكثير من أطروحاته، منذ أن كانت تجبرنا جماعات ''التوعية الإسلامية'' في المدارس على حفظ أشرطته بدءا من شريط ''لأحشرنك في الزاوية'' وانتهاء بكتابه ''لا تحزن''. كلما قرأت قصيدة من نظم الشيخ عايض القرني، أحد عرابي الخطاب الصحوي، تمنيت لو بقي الشيخ في مجاله الدعوي واستمر في صناعة الخطاب المتسامح الذي اختاره أخيرا واجتذب معه قاعدة جماهيرية عريضة، بدلا من هذا الإصرار الغريب على تسويق نفسه كشاعر.
ولا أعرف ما الذي يدعو الشيخ عايض لأن يفرض شاعريته على الناس بأي ثمن، وهو يدرك تماما أنه لا يملك الموهبة، ولا يمكن أن يقنعنا مهما كتب أو حاول أو استخدم من وسائل.
وكلما تصفحت وسيلة إعلامية أو شاهدت قناة فضائية أشعر بالحزن لهذا المستوى الركيك من النظم الممجوج، الذي يخجل القول به المبتدئون، فكيف بمن هو في حجم الشيخ القرني وحضوره الإعلامي واهتمامه القديم بالأدب والنقد؟!
يذكرني الشيخ القرني بأحد أصدقاء الدراسة في المرحلة الجامعية، وقد صدع رؤوسنا بقصائده المتعددة بتعدد المناسبات، وصفق له بعض الزملاء في حينها على استحياء، وكان يقدم الشاعر قبل اسمه في معظم الأحيان، لكنه في النهاية تراجع بطوعه واختياره، وأتلف قصائده لقناعته التامة بأنه كان يعيش وهما كبيرا، وأنه مجرد ناظم، وليس شاعرا حقيقيا.
ويدرك النقاد أنه شتان بين الشاعر والناظم، فالأول مبدع حقيقي، تجري الشاعرية على لسانه بانسيابية عذبة دون تكلف، والآخر مقلد بلا طعم ولا لون ولا رائحة، يعسف القوافي عسفا لتتناسب مع الوزن، فتولد قصائد مشوهة ومرتبكة لفظا ومعنى، وإن استقامت قافية ووزنا.
وكلما سمعت الشيخ عايض ينشد ويردد أشعارا من قبله تساءلت بحيرة: هل الشيخ مقتنع حقا بما يقوله، بينما لا يحتاج الأمر منه في أبسط صوره إلا إلى مقارنة بسيطة، ليكتشف الفارق الهائل بين نظمه وبين إبداع الآخرين على اختلاف أماكنهم وأزمنتهم، وهو القارئ الفطن لأشعار الأولين والآخرين، بدءا بقصائد رموز الشعر الجاهلي، ومرورا بروائع جرير والفرزدق والمتنبي والشافعي وأبو فراس الحمداني وابن الرومي وابن زيدون، حتى في الشعر الشعبي يحفظ القرني مطولات ثمينة لبندر بن سرور وسعد بن جدلان، وأحمد الناصر وخلف بن هذال، وآخرين من شعراء العرضة والمحاورة.
وأقرب الاستشهادات قصيدة ''لا إله إلا الله'' التي غناها أو أنشدها الفنان محمد عبده، فركاكة النص كانت واضحة، وضعت معها محمد عبده في حرج، حاول أن يبث فيها بعض الإحساس، لكنه كان خارج الغناء تماما، يغني بتثاقل نصا فاقدا الإحساس من الأساس، وهو ما لم يعتده في مسيرته الفنية.
لقد اقتحم الشيخ مجالات كثيرة بدءا من الوعظ والدعوة وتقديم حلقات تلفزيونية متنوعة وتأليف بعض الكتب، أجاد في كثير منها، وصنع لنفسه حضورا لا يستهان به، ويبدو أن متلازمة الدعاة الجدد قد أصابت الشيخ القرني، بعد أن تخلى الكثير منهم عن الخطاب الدعوي الأصيل، ليصبحوا فجأة شعراء ومستشارين نفسيين واجتماعيين، وأيضا مدربين متخصصين في التنمية البشرية، في ظاهرة محلية لافتة، خلفت لنا منتجات فكرية رديئة وباهتة.
نجومية القرني لا تعني نجاحه في إقناع الناس بكل ما يكتب حتى لو أنشد له نجوم الغناء، أو صفق له آلاف المعجبين، أو تهافت المتهافتون لدعوته لإحياء الأمسيات الجماهيرية، أو ألحوا عليه لطباعة ديوانه المنتظر، وربما نافس به كتابه الشهير ''لا تحزن''.
ولو سمع شاعرنا القرني ما نسمع من نقد ساخر لقصائده ربما توقف احتراما لحضوره في أذهان الناس. ولهذا أقول للشيخ عايض القرني بلغة صادقة إنني أقدر حضورك وجهودك، لكن هذا ليس شعرا، ولا يليق بك بعد هذا العمر والتجارب أن تستمر في المكابرة، ولا يغرنك هذا الثناء والتصفيق الذي تجده من البعض هنا أو هناك، فأنت تعلم أن كثرة التصفيق وصيحات الجماهير ليست مقياسا في كل الأحوال، ولا يعيبك أبدا أن تتبرأ منه، وتعتبره أمرا خاصا لا يخضع لمقاييس النشر والإبداع الرصين.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي