لا جديد في واشنطن

لا جديد في واشنطن

حتى قبل أن يلقي الرئيس جورج بوش خطابه الدوري عن حالة الاتحاد مساء الثلاثاء الماضي، ارتفعت الأصوات مشككة في جدوى طرحه الأجندة الداخلية ومن بينها الالتفات مجددا إلى قضية الطاقة وتحديده أهداف تقليص استهلاك البنزين بنسبة 20 في المائة في ظرف عقد من الزمان، وإصدار قوانين تلزم الشركات المصنعة للسيارات والشاحنات بزيادة فاعلية استخدامها للوقود.
وجاء التشكيك من ناحيتين، أولاهما سياسية، إذ سيطر الهمّ العراقي على أذهان الناس والرئيس في أدنى شعبية له، ومجلسا النواب والشيوخ يسيطر عليهما الديمقراطيون، الأمر الذي يعني أنه ليس مطلق اليد لتنفيذ خططه الجديدة كما كان الأمر سابقا إبان سيطرة الجمهوريين على المجلسين. وثانيهما أن بوش بقي له عامان في البيت الأبيض، وهي فترة ليست كافية ليحقق فيها إنجازا يذكر، لكنه فيما يبدو ولهذا السبب تحديدا آثر أن يطرح العديد من القضايا المحلية كيلا يبدو بطة عرجاء، وأنه لا يزال يأخذ بزمام المبادرة، وحتى في هذه لقي انتقادا أن المتاعب التي يعاني منها سكان نيو أورليانز بسبب إعصار كاترينا لا تزال بلا حل، رغم العديد من الوعود ومرور أكثر من 18 شهرا على الكارثة.
على أن نظرة فاحصة على النقاط المتعلقة بالطاقة تشير إلى طرحه خطة شكلية دون مضمون فعلي يمكن أن يعطي تأثيرا على أرض الواقع. فالحديث بداية عن خفض استهلاك البنزين 20 في المائة في ظرف عشر سنوات، إنما ينطلق من معدلات الاستهلاك المتوقعة، وليست الحالية، وبالتالي فإن أقصى ما يمكن أن تحققه هذا الخطوة، على افتراض استكمالها كما هو مخطط لها أن تبقي معدلات الاستهلاك في مستواها الحالي. وأهم من هذا أن هذه الخطوة لن تحدث تأثيرا ملموسا فيما يتعلق بالغازات المنبعثة وتسهم في التغير المناخي، إذ إن ثلثي هذه الغازات إنما تنبعث من النشاط الاقتصادي.
كذلك يشير الخبراء إلى أن الحديث عن تغيير في الأنظمة والقوانين لوضع معايير جديدة تلزم مصنعي السيارات باعتماد مواصفات لجعلها أكثر فعالية ابتدءا من عام 2010 وللشاحنات بعد ذلك بعامين، أنها يمكن أن تزيد من فاعلية هذه المركبات، لكن لن تخفض من حجم استهلاكها للوقود.
أما الخطوة الثالثة الخاصة بدفع الشركات لإنتاج 35 مليار جالون من الإيثانول بحلول عام 2017، وهو ما يمكن أن يسهم في توفير 15 في المائة من استهلاك البنزين، فتبدو طموحة للدرجة التي تجعلها عصية على التحقيق. فكل إنتاج الولايات المتحدة من الإيثانول العام الماضي بلغ 7.5 مليار جالون، وليس هناك ما يدل على إمكانية تحقيق ذلك الهدف حتى ولو تم تحويل كل إنتاج الولايات المتحدة من الذرة الشامية لتصنيع الإيثانول.
الخطوة الرابعة والأخيرة إعادة العمل ببرنامج ملء الاحتياطي النفطي الاستراتيجي بمعدل 100 ألف برميل يوميا، وكان العمل به قد توقف إثر إعصار كاترينا. كمية النفط الموجودة في مخازن هذا الاحتياطي بلغت 691 مليون برميل، وطاقته الكلية التي يستهدفها برنامج بوش تبلغ 727 مليونا، وهو ما يحتاج إلى إنفاق 10 مليارات دولار لشراء النفط و55 مليارا أخرى لتوسيع قاعدة التخزين. وهذه طبعا تحتاج إلى موافقة من الكونجرس.
في خطابه السابق عن حالة الاتحاد تعرض بوش إلى اعتماد بلاده على النفط الأجنبي داعيا إلى إنهاء ما وصفه بحالة الإدمان. القليل تم إنجازه فيما يتعلق بترجمة تلك الشعارات إلى واقع، وها هو يعود بعد عام كامل ليطرح خطوات محددة تبدو محكومة بالمناخ السياسي الذي تجد الإدارة نفسها فيه، أكثر من مواجهة قضية الطاقة وتبعاتها، خاصة وأن هناك تسريبات كثيرة جرت أن الإدارة على طريق تغيير موقفها فيما يتعلق بقضية التغير المناخي، وأنه بالتعاون مع توني بلير، رئيس الوزراء البريطاني والحليف السياسي الوحيد تقريبا لبوش، على طريق الإعداد لمرحلة ما بعد اتفاق كيوتو.
لكن قد لا يكون من العدل تحميل كل المسؤولية لبوش فيما يخص افتقاد بلاده سياسة واضحة لتحقيق أهداف محددة في ميدان الطاقة، خاصة وهي أكبر مستهلك للنفط في العالم. فمثل هذه التصرفات ظلت هي ديدن الإدارات المتعاقبة منذ ريتشارد نيكسون الذي واجه الحظر العربي، أو ما عرف بالصدمة النفطية الأولى، وقام ببعض الخطوات إلى أن تولى الرئاسة جيمي كارتر، الذي وضع بصماته على سياسات الطاقة في بلاده عبر تأسيس وزارة للطاقة لم تكن موجودة من قبل، والبدء في فكرة الاحتياطي الاستراتيجي وغيرها من خطوات لا يزال الكل يعزف عليها.
على أن الأمر الذي ظل غائبا أن نمط الحياة الأمريكية وإفراطه الكبير في الاستهلاك سيظل عائقا أمام تحقيق أي نتائج، وتوصل بوش إلى هذه الحقيقة فيما يبدو من خلال اللجنة التي كونها بعد أسبوعين من دخوله البيت الأبيض برئاسة نائبه ديك تشيني، وهي اللجنة التي ركزت على زيادة الإمدادات على عكس كل التوصيات السابقة المستمرة منذ ثلاثة عقود من الزمان بترشيد الاستهلاك.

[email protected]

الأكثر قراءة