منتدى الغد
.. تصور أن تكون في مقتبل العمر، ويأتيك طيف شخص من نور وجمال وحكمة، ويقول لك: "هات يدَك يا بني، فأنا أعرف أن في رأسك عقلا مختلفا ومتوثبا للتطور، كما أعرف أن في طوايا نفسك طموحا يضج يريد الخروج والتحليق، وأعرف أنك تريد أن تضع لك مكانا بارزا في المستقبل من ضمن أمة بارزة في المستقبل.. فهات يدك يا بني لا تتردد ضعها في يدي.. دعني أدلك على طريق المستقبل".
هذا حلم أي جيل في أي مكان من العالم، ألا يُفاجأ بالمستقبل الذي لم يسهم في صنعه ولا بالطبع الاستعداد له، فيكون دوما مستقبَلاً زمانيا فقط، ولكن تأخرا بمحصّلة الوجود، وخسارة بكشف خسائر وأرباح القيمة الشخصية. إن كل من تقدموا، جاء المستقبلُ وهم قد رتّبوا له وأسهموا في تحقيقه عن طريق مرشدين عظام، إما دلّوهم على طريق المستقبل وإما مهدّوه أمامهم، أو رافقوهم في كل محطاته، ورسموا معمارَ وعملَ كل محطة.. هؤلاء هم المغيّرون الحقيقيون، البناةُ العظام.. بناةُ حياة المستقبل.
وعندنا "منتدى الغد"..
"منتدى الغد" لم تكن هذه المرة التي شاركت فيها أول منتدى، ولكن قد يكون أكثر ما حرّك شيئا في بركة الآمال التي أريدها دوما بحرا مفتوحا أو حتى بحيرة واسعة، أو نهرا متحركا دفاقا لبدء وضع آمالنا خططا في جغرافيا المستقبل.. معظم آمالِنا حتى الآن انحبست في بركة بلا ضفاف ولا منابع ولا مصاب، فضاقت البركةُ وضاقت قبلها الآمالُ والأحلام.. "منتدى الغد" اسم هزّ كياني بالكامل، بدأت الآمالُ الراكدة تتحرك تريد مخرجا لتسير بمسار وتضجُّ بتيّار، لأننا لطالما انسحبنا للماضي، الماضي بكل أحداثه عناصر دخلت وعينا الجمعي، ويجب أن نهضمها لتعطينا مسوغ الانطلاق في الحاضر وفي بناء المستقبل، والذي صار أننا رجعنا للماضي واحتمينا به، وهنا نصف مشاكلنا المجتمعية، أن كل فئةٍ رجعت لماضٍ ترتاح إليه واحتمتْ به، وتدرعت به، ثم بدأت - وهنا المسألة الكبرى التي تقوض البناءات المجتمعية - تحارب منه. كلنا بحاجة لفك هذا القيد، ورفع هذا الخوف والتقوقع لنحلق للمستقبل.. للغد.
أمنية الأماني عندي هي المستقبليات، وتمنيت لجنة أول دخولي لمجلس الشورى بعنوان لجنة المستقبليات ولاقت استحسانا وقتها، وخرجت من الشورى ولم تخرج اللجنة.. لذا هزني نداءُ "منتدى الغد"، وقلت لعل الله عوّض بما هو أكرم وأفضل.
فكرة المنتدى عظيمة بجوهر معناها، منتدى يتحلق حوله المفكرون من كل الأعمار ليتضافروا لوضع طريق للمستقبل، ثم تبدأ المنتديات القادمة في وضع علامات الطريق، هذا هو الجوهر، هذا هو الحلم. ولكن يبدو أنه لم يُفهم بدقة الغرض من "منتدى الغد"، فهو ليس منتدى يتحدث أو يهتم بأشياء مضت وخصوصا بالأعمال الاجتماعية أو التطوعية أو الخيرية.. لا، أبدا، الغرض من أي منتدى يحمل الاسم الكبير "الغد" هو بناء مستقبل الأمة بكل مكوناتها، بكل عناصرها، بكل نوع طوبة بناء ستدخل في صروحها المستقبلية.
الذي حدث لم يعكس الظلّ الحقيقي لجوهر الجسد الحقيقي؛ يتكلمون في المنتدى كما يتكلمون في أي تجمع آخر للأعمال التطوعية والخيرية.. تماما بالمسطرة. وتبحث عن الغد الذي تحبّه وتتطلع بكل مكان لموعد معه فلا تجده، فينكسر قلبك. بعضهم اعتلاه منصةً تعريفيةً لمراكز من الممكن أن يُستدلّ عليها بسهولة وبتفصيل من مواقع الإنترنت، لأنه يا جماعة أي معلومة صارتْ وحدثتْ محفوظة الآن بكل وسائل الحفظ الدائم، ومعالجتها خطابيا في مؤتمر طابعه أن يكون مستقبليا - أقولها متأسّفا: ضياعُ وقتٍ بامتياز!
المهم أن نتكلم عن المستقبل، وإلا دُفنا في الحاضر حتى لو جاء المستقبل. أليس لدينا مستقبليون مختصون بعلوم المستقبل؟ بلى عندنا.. ولكنهم صامتون، وحان الوقت أن يتكلموا، بل عليهم واجب أن يتكلموا في أي وقت. هؤلاء المستقبليون في أمتنا لم يتحدثوا، بعد، ولم يجدوا منصاتهم بعد.. ربما لأن لا مكان إلا للماضي أو اللحظات الحاضرة المرتبطة باللحظات الماضية.. ثم تنقطع عند جرف، عند ظلام.. عند مجهول.. هو: اللحظة المستقبلية، التي لا نعلم عنها شيئا، وما لا تعرفه تخاف منه!
أتمنى من "منتدى الغد" أن تكون هناك فرصة للمستقبليين في السنة القادمة بإذن الله، ولو بقسم منه، يتحدث فيه شخصان أو ثلاثة من روّاد المستقبل كلٌ في حقله، وأن أُمِرْتُ فأعلن استعدادي اقتراح أسماء من أجمل عقول البلاد المهتمة ببناء المستقبل لأمّتها، ولأبناء أمتها.
و.. إلى الغد!