نساء لا يحصلن على ميراثهن لسنوات

محزنة حالة قضايا المواريث التي وصلت للقضاء وما زالت تدور في أروقته لسنوات طوال عجاف على النساء اللواتي لم يحصلن على حقوقهن في المواريث رغم أن بعضهن حصّل أحكاما تؤكد سلامة مركزهن القانوني وحقهن في الميراث، ومحزن أكثر حال من منعتها قوة الظروف والقهر الاجتماعي من الوصول للمحاكم وضاعت حقوقها.
القصص المؤلمة لا تتسع لها مجلدات، وبعضها أصبح معروفاً للرأي العام الذي يرى حسب ظني في غالبه أن مال الوالد يجب أن يتركز في أبنائه الذكور دون الإناث.
يقول لي أحد المتابعين لهذا الموضوع إن الأمر يبدو وكأنه تمييز عنصري على أساس الجنس فما أن يتوفى الوالد وينتقل إلى رحمة الله حتى ينقسم الورثة إلى ذكور وإناث والمضحك أن الأم وهي أنثى غالباً تصف مع أبنائها الذكور وتبدأ حينها المعركة وعمليات التلاعب لإخراج الإناث بالنزر القليل من الميراث أو في أحس الأحوال وهؤلاء الذين يخافون الله يخرجونهن من الشركات والأعمال الناجحة بمخارجة قانونية تضمن حقوقهن إلى أقصى الدرجات والبعض يخرجن من الشركات والأعمال بتقييم غير دقيق وبتعويضات فضفاضة كأسهم لشركات تتفاوت أسعارها كل يوم.
من ناحيتي، لا أظن أن الأمر يندرج في خانة التمييز العنصري ضد المرأة في موضوع المواريث بقدر ما يندرج في خانة الأعراف الاجتماعية وثقافة المجتمع في رعاية المرأة وحمايتها التي انعكست في جميع الأنظمة، حيث تعاني المرأة الكثير من الأنظمة المعقدة لحياتها بدعوى تلك الرعاية ومن ذلك توكيل غيرها لحضور المحاكم وتوكيل وكيل لأعمالها التجارية وغير ذلك وما ترتب على ذلك من مشاكل لا تعد ولا تحصى والتي جعلت المجتمع السعودي الحديث يرفضها ويعالجها نظامياً وإجرائياً ومن ذلك أيضاً حقها في إصدار بطاقة الأحوال وجواز السفر حال بلوغها السن القانونية ومنح أبنائها الجنسية كما يمنحها الرجل لأبنائه.
الله سبحانه وتعالى منح المرأة حقها في المواريث بما يتناسب طبيعتها ومهامها في الحياة مقارنة بالرجل من باب الإنصاف والعدالة، وجعل التعدي على حقها في المواريث تعدياً على حدوده كما جاء ذلك في سورة النساء في الآيات من (11) إلى (15) ''يوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ فَإِن كُنَّ نِسَاء فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ'' حتى قوله تبارك وتعالى ''تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ''.
والسبب الرئيس كما يبدو لي في تكاثر مشاكل وقضايا مواريث النساء ومكوثها لسنوات طويلة دون حل حتى أن بعضهن انتقل إلى رحمة الله وهي تطالب بحقها دون جدوى.
إن مسؤولية هذا الحق تركت للمسؤولية الأخلاقية لرجال المجتمع ولم تتحول لمسؤولية قانونية تنهض بها الدولة من خلال جهاز حكومي متخصص لديه لوائح نظامية إجرائية يباشر العمل بها حال وفاة أي مواطن لحفظ حقوق الورثة من الأطفال والنساء من طمع الكبار ومن تغول الأعراف الاجتماعية على المرأة، بمعنى أن السبب الرئيس هو غياب نظام وقائي يمنع وقوع مشاكل وقضايا المواريث ويحد منها إلى أقصى الدرجات الأمر الذي أدى بالمحصلة لتكاثر المشاكل والقضايا التي أثقلت كاهل القضاء الذي هو الآخر أصبح شبه عاجز عن معالجتها بعد أن تتشعب وتتداخل وتتعقد كما هو حال معظم القضايا الحالية في المحاكم.
يقول لي أحد المعنيين بتأسيس عيادات الأسنان في الجبيل وينبع، إن دراسة أعدتها الجهة المعنية أوضحت أن التوسع في تأسيس وتشغيل عيادات الأسنان بشكل كبير لا يتناسب والميزانيات المتاحة ما جعل فريق العمل يتجه للوقاية للحد من أمراض الأسنان، حيث نظمت حملات في مدارس المنطقة علاجية توعوية حدت من أمراض الأسنان حتى خف الضغط على العيادات القائمة دون الحاجة للتوسع الكبير كما كان مطلوبا، وأقول الحال نفسه ينطبق على القضاء لو أن مؤسسات الوقاية من وقوع المشاكل عملت مبكراً لقلت القضايا وخف الضغط على القضاء، وبكل تأكيد تأسيس هيئة تعنى بشؤون القصّر والنساء تقوم بإجراءات مباشرة حال وفاة المواطن لحصر التركة وتوزيعها على مستحقيها وحفظ حقوق القصّر حتى بلوغهم سينهي مشاكل المواريث ويقلل إن لم يقض على قضاياهم ويريح المجتمع والقضاء معاً من مشاكلها.
في الندوة التي أقامتها الغرفة التجارية في الشرقية للحديث عن ''الميراث التجاري'' قال ملقيها المستشار القانوني والقاضي السابق في المحكمة الشرعية الكبرى في أبها، عبد العزيز القاسم، إن القوانين والتشريعات في السعودية عملت على المساواة بين المرأة والرجل، لكن هناك روحا اجتماعية تحوم دائما حول المشهد، كما قال إنه في الدول الأخرى يجب على الأقارب أو الورثة إبلاغ النيابة العامة حتى تحضر السلطة لضبط المال الذي يعيش مرحلة انتقالية، وتعيين حارس عليه، والبدء بإجراءات سداد الديون وتقسيم الإرث، لكن في السعودية لا يوجد شيء من هذا القبيل.
وأستخلص من المقولتين أنه لا جهة ولا إجراء يحفظ الحقوق ويسدد الديون ويوزع الميراث كما أمر الله ـــ سبحانه وتعالى ــــ وهنا مكمن المشكلة الذي يجب أن يعالج، ولكن أما وأن الفأس قد وقع في الرأس فعلينا أن نتحرك بأسرع ما يمكن لعلاج مشكلة المواريث عامة والمواريث التجارية للنساء على وجه الخصوص.
والحل حسبما أرى أن تؤسس هيئة حكومية مستقلة لشؤون القصّر تقوم بمهمتين رئيستين الأولى الدخول كخصم ضد الذكور الذين تكاتفوا لاغتصاب حقوق النساء خصوصا من قضاياهن تدور في أروقة المحاكم، والثانية أن تقوم بإصدار وتطبيق لوائح تنظيمية تقضي بوضع اليد وحراسة جميع ممتلكات المتوفى وتوزيعها كما حدد الله ـــ سبحانه وتعالى ـــ في كتابه الحكيم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي