التضخم .. التحدي الأبرز في عام 2007 أمام دول الخليج
كما كتبت الأسبوع الفائت عن أفضل قرارات عام 2006م، من حيث التأثير الصادرة عن هيئة السوق المالية ومؤسسة النقد، وتحدثنا بالتفصيل عن تأثيرات هذا القرار الخاص بتوحيد فترة التداول وفترة عمل المؤسسات المالية، حيث ظهرت هيئة سوق المال ومؤسسة النقد بشكل أكثر ليبرالية وانفتاحا على المجتمع والتجاوب معه، وهو أمر تشكر عليه الجهتان، التي أعتقد أن أمامهما تحديات كبيرة في عام 2007م وستكونان باستمرار تحت المجهر. أعانهما الله على خدمة الوطن والمواطن فهما الهدف النهائي.
وقد أحببت أن أفتتح مقالات 2007م، والذي آمل أن يكون عام خير وبركة على الجميع بأبرز التحديات أمام صانع القرار الاقتصادي عموما والسياسة المالية والنقدية خصوصا، وهو تحد بدأ فعلا بالظهور والبروز غير المرغوب فيه، ولا بد من التعاطي معه بكل حزم وقوة وحنكة لتلافي كل سلبيات تركه وأيضا تأثيرات الحد منه. وهو يتطلب استخدام ميزان حساس جداً للتعاطي مع هذا التحدي الداهم اقتصاديا حتى لا يكون هناك مجال للخطأ في الحسابات، أو في التعاطي معه بتشدد أكثر من اللازم أو تهاون يزيد من حجم المشكلة وتأثيراتها السلبية، وذلك كما حدث مع سوق الأسهم والذي سنعاني من تبعات تراجعه الحاد والخلل في الهيكلة الاجتماعية لسنوات مقبلة. أعلم أن هناك تحديات تمس المنطقة كلها، قد تتخطى قدرة دول الخليج إلى الدول العربية وتركيا أيضا إذا ما تطورت الأزمة بين إيران والدول الغربية، وكذلك إذا ما ساء الوضع أكثر في العراق. ولكن من تجارب سابقة يجب ألا نغفل عن الداخل مهما كانت التحديات الخارجية، فهما هم مشترك ويجب التعاطي معه بمستوى التحديات الخارجية نفسه وإلا خسرنا الداخل والخارج. وكما يُقال "ضربتين في الرأس توجع" أسهم وغلاء في الأسعار.
إن تحدي 2007م أمام صانع القرار الاقتصادي سيكون بلا منازع هو التضخم. نعم التضخم، والذي، كما قلت، بدأت علاماته منذ عام 2006م، وتأكد مع النصف الأخير منه بالزيادة الواضحة في أسعار السلع الاستهلاكية (الغذائية تحدياً) بما يفوق 30 في المائة حسب بعض المؤشرات، وقبل التحدث عن المؤشرات الاقتصادية لذلك التحدي "التضخم" يكفى أن نشاهد الأسعار الاستهلاكية سواء الأساسية باستثناء الماء والكهرباء، والتي هي بتعرفة حكومية وليست خاضعة للعرض والطلب. فمن أسعار المساكن وانتهاء بأسعار الكماليات، ويمكن لأي شخص ملاحظة هذا الارتفاع الذي هو مرشح للارتفاع أكثر في 2007م. وكلى أمل أن يبدأ كل مسؤول بالشراء بنفسه في بداية العام ولو لمرة واحدة، وكذلك في نهاية العام الحالي ليشاهد الفرق الذي سيحدث للأسعار. وهو التعريف الاقتصادي للتضخم والذي يعني الارتفاع العام للأسعار والشامل.
أما أسباب التضخم فهي متداخلة، وقد تكون المرة الأولى التي يعيشها الخليج، التي تتضافر فيها مجموعة عوامل في قيادة التضخم للاقتصاد الخليجي. وقد يكون ذلك دليلا آخر على تكامل الاقتصاديات الخليجية ولكنه ليس موضوعنا على كل حال. حالة التضخم التي بدأنا نعيشها وسنشاهدها أكثر في 2007م ما لم يتم تداركها بشكل مختلف عن كونها تضخما في المستوى المقبول. حسب قراءتي الشخصية لحالة التضخم هذه نجد أنه ينشأ عن عدد من الأسباب: أولها ما يُعرف بالتضخم المستورد الذي يزيد تأثيره بزيادة حمى الاستيراد بشكل عام وبالذات السلع الاستهلاكية، وطبيعي كما نحن صدرنا التضخم على المستهلك للنفط من خلال الزيادة المطردة في أسعاره، ولكون جميع اقتصاديات الخليج قائمة على الاستهلاك الخارجي، فمع مرور الوقت انعكست تلك الزيادة في أسعار المنتجات التي يستوردها الخليجيون وهي بكل أسف لا ضابط لها ولا تشريع يساعد على الحد من تأثيرات هذا النوع من التضخم، وأعتقد أحد أهم مسبباته بهذا الشكل هو ارتباط العملات الخليجية بالدولار والتراجع الحاد في قيمته، والتي يتوقع أن يزيد التراجع في الدولار أيضا في عام 2007م، مما يعني زيادة في تأثير التضخم المستورد، وقد تسوء الحال إذا ما وقعت حرب في الشرق الأوسط وبالذات مع إيران، وزادت حالة التراجع في قيمة الدولار.
ثاني الأسباب في هذا التضخم القادم هو مستوى النفقات الحكومية الخليجية لهذا العام بسبب الإيرادات غير المسبوقة للدول الخليجية عموماً، وهي أيضا عندما تكون بهذا الشكل القوي لا بد من أن تساعد على التضخم، إذا ما علمنا محدودية القدرات المحلية على تنفيذ تلك المشاريع كما ترغب بها الجهات الحكومية، وبالتالي تظهر معادلة العرض والطلب بكل ما تعنيه الكلمة كضاغط قوي لبروز تضخم واضح في الأسعار، وهو ما يدفع ثمنه المستهلك العادي قبل الحكومات. وأكبر دليل قطاع المقاولات الذي بدأ أصحابه في فرض الأولويات والبحث عن المكاسب العالية، والضحية الأولى لهم المواطن الذي يريد أن ينهي بناء مسكنه بأقل التكاليف ويجد نفسه غير قادر على إكماله بسبب زيادة الأسعار. وطبعا عندما تكون الحكومات منافسا للمواطن تكون النتيجة معروفة مسبقاً.
العنصر أو السبب الثالث في هذا التضخم هو عنصر التمويل، الذي هو في جزء كبير منه خارج نطاق الرقابة، وهي حالة محلية شاذة ولا بد من القضاء عليها، فتداعياتها ليست فقط التضخم وزيادة الأسعار بسبب توفير السيولة مع السيولة المتوافرة أصلا على مستوى الاقتصاد الكلي، ولكن لها تداعيات أخرى ومنها جانب المنازعات بين الممولين والمقترضين، وجوانب اجتماعية بسبب غياب الوعي في التعاطي مع الإقراض دون برامج ادخار واستثمار واضحة لشرائح المجتمع كلها تقريباً. ويكفينا دليل على ذلك ما حدث في سوق الأسهم في 2006م والسنوات التي سبقته، حيث تراكض الجميع إلى الاقتراض سواء من القطاع البنكي أو قطاع التقسيط وقطاع تمويل شراء السيارات وحتى قطاع التجزئة لتمويل دخولهم في سوق الأسهم. وأعتقد أن من أبرز التحديات في هذا الجانب معادلة السيولة وفتح قنوات استثمارية لاستيعابها مع كثرة السيولة الحكومية ومنافستها في الاستثمار في القنوات المتوافرة للمواطنين وهي سوق المال. وهنا أعني بالتمويل الصادر من خارج القطاع المصرفي، حيث إن التسهيلات الممنوحة من القطاع المصرفي تحت السيطرة وواضحة طرق ووسائل التعاطي معها من ناحية السياسة النقدية.
السبب الرابع في تداعيات التضخم يبقى الثقافة الاستهلاكية لدى المجتمع، فنحن مجتمع استهلاكي بامتياز مع مرتبة الشرف الأولى. وطبعا كما أن النصيب الكبير مما حدث في سوق الأسهم للعام المالي 2006م كان بسبب الثقافة الاستثمارية وقلة مستوى الوعي، فإن التضخم في جزء لا يستهان فيه هو بسبب الثقافة الاستهلاكية للمجتمع سواء للأساسيات أو للكماليات. وهو ما يرجح معادلة العرض والطلب لزيادة الأسعار وبشكل جنوني كما شاهدنا ذلك في عام 2006م مع زيادة الرواتب بنسبة 15 في المائة، حيث كنت أتمنى أن تكون هناك توعية عامة بضرورة تطوير برامج ادخار واضحة للأفراد والأسر تتناسب مع ظروف كل فئة، بدلا من زيادة الإيرادات فقط وتركها لينتزعها التجار وأصحاب العقارات في اليوم التالي من خلال زيادة الأسعار في كل القطاعات. ولا ننسى أنه لا حسيب ولا رقيب. وقد أعجبت كثيرا بقرار إمارة أبو ظبي ولحقها مؤخرا قرار إمارة دبي عندما قامت، وبمرسوم من أعلى المستويات، بوضع سقف لنسبة الزيادة في الإيجارات وبيع المساكن بنحو 8 في المائة سنوياً.
وكما قلت لا يمكن أن تكون دول الخليج لاعبا رئيسيا في اقتصادياتها والمحرك الأول لها، وفي الوقت نفسه نحاول تطبيق النظريات الاقتصادية كما هي في الرأسماليات الغربية، التي ينحصر دور الدولة فيها بالإشراف والرقابة ومن ثم التشريع، ونقول دع معادلة العرض والطلب تعمل بشكل حر وهي التي تقرر. شئنا أم أبينا حكومات الخليج هي اللاعب الرئيس والمحرك للاقتصاديات الخليجية وليس القطاع الخاص، وبالتالي يجب أن تتدخل للحد من الإفرازات السلبية للمعادلة الاقتصادية القائمة في دول الخليج.
وفي الختام آمل، وبكل صراحة، أن يعاد حساب المعدلات والمؤشرات الاقتصادية الصادرة عن مصلحة الإحصائيات العامة، فهي غير دقيقة ولا تعكس الواقع، كما آمل من الجهات المحايدة سواء الغرف التجارية والصناعية أو مجلس غرف، التي تعتبر المظلة لجميع الغرف التجارية والصناعية أو وسائل الإعلام الاقتصادي أن تعمل على تطوير مؤشرات اقتصادية للشؤون الاقتصادية والاجتماعية المرتبطة بها من تضخم أو بطالة.. إلخ، ولا نعتمد على المؤشرات الصادرة عن الجهات الحكومية فقط، وهي الطريقة التي تساعد على اكتشاف الخلل وتحديد المشكلات بشكل مبكر.