الشباب ما بين التهور وجنون الاستهلاك: من المسؤول!
الشباب في الوقت الحاضر يمثلون نسبة كبيرة من إجمالي سكان المملكة تصل إلى قرابة ثلث السكان، وذلك نتيجة ما يُسمى بـ ''النافذة الديموغرافية''. وعلى الرغم من تزايد أعدادهم، فإن المجتمع لم يوفر لهم أنشطة مفيدة تسهم في بناء ذواتهم وإعدادهم للمستقبل، لذلك نشأ شبابنا على ثقافة الاستهلاك والتباهي بامتلاك الماديات! فالأغلبية الساحقة يلهثون وراء كل جديد في مجال التقنيات الحديثة، ليس لزيادة إنتاجيتهم في أعمالهم أو تعزيز تعليمهم في المدارس والجامعات، ولكن للتسلية والترفيه أو التهور دون إحساس بالمسؤولية، يقودون سياراتهم بسرعة جنونية، ولا يعيرون الأنظمة اهتماماً، ولا يحسبون لحياة الآخرين وسلامتهم أي حساب، ويدمرون البيئة والحياة الفطرية من خلال سلوكياتهم غير المسؤولة والمتهورة!
في هذه الأيام التي ننعم فيها بأمطار غير مسبوقة على معظم مناطق المملكة، برزت مظاهر تهور الشباب المتمثل في دخولهم الأودية الجارية بسياراتهم للمباهاة أمام أقرانهم والتباهي بشجاعتهم وقدراتهم في القيادة دون حساب لما قد يحدث من نتائج مؤلمة وقاتلة، ما أدى إلى خسران الأرواح التي لا تعوض بأي ثمن!
والسؤال المطروح، من يتحمل مسؤولية هذا السلوك بين شبابنا؟ الأسرة أم المدرسة أم المجتمع بمؤسساته المختلفة؟ أعتقد أن هناك ''أزمة تربية'' تعانيها الأسر، فكثير منها لم تعد مؤسسات اجتماعية فاعلة أو قادرة على غرس القيم النبيلة في نفوس النشء، فقد تركت ''الحبل على الغارب'' للشاب ليسهر إلى ساعات متأخرة من الليل دون توجيه أو ضوابط أو مراقبة، بل وفرت له الإمكانات وشجعته على المباهاة والمبالغة في استهلاك التقنية، فأصبح الشباب يتسابقون على امتلاك آخر ما توصلت إليه التقنيات في مجال الاتصالات والألعاب والسيارات!
كما تخلّت المدارس عن مسؤولية ربط مناهج المدارس وأنشطتها بواقع المجتمع والتغيرات الاجتماعية التي يشهدها. لقد أصبحت المدارس مؤسسات ''متجمدة'' تقتصر ــــ إن أفلحت ــــ على تدريس (أو قل تلقين) المقررات أو حتى تلخيصها في ''أوراق'' محدودة (ملازم) تباع بديلاً عن المناهج المقررة، ودون محاولة لربط التعليم بالحياة التي يعيشها الطالب أو الطالبة، وإن حاولت إدخال الأنشطة غير الصفية، فهي تأخذ الطابع الاحتفالي المؤقت الذي لا يُعنى بالمضمون ولا يهتم بالاستدامة!
والجمعيات الخيرية ومؤسسات المجتمع المدني ــــ هي الأخرى ــــ لا تُعنى ببناء الإنسان وتمكينه من خلال تزويده بالمهارات والخبرات والقيم، ولكنها تختزل نفسها في أمور محدودة وتتنافس على معالجة قضايا متشابهة، فلا مكان لبناء الإنسان أو غرس قيم حقوق الإنسان أو عمل التطوع أو احترام الآخرين أو أصول السلامة ونحوها.
فمسألة التنشئة وبناء الشاب ''الإنسان'' ضائعة ما بين أسرة حرفتها التغيرات الاجتماعية والتقنية السريعة عن مسارها الصحيح، ووزارة تربية وتعليم لم تتمكن من خلق بيئة تعليمية مكتملة ومتوازنة تستطيع تزويد الطالب بالمعارف والمهارات والقيم، بل لم تستطع مراقبة ما يتلقاه الطالب الذي ضاع ما بين ملخصات المناهج وإهمال مسألة غرس القيم والوعي بقضايا المجتمع، وكذلك الانضباط، إلا من رحم ربي! ولم تحظى باهتمام الرئاسة العامة لرعاية الشباب، التي لم تفلح حتى في تنشئة جيل من الرياضيين الذين يستطيعون المنافسة، ناهيك عن رعايتهم وتقديم البرامج المفيدة لهم!
ختاماً: أصبح من الضروري الالتفات إلى التنشئة الصالحة المتوازنة وإعداد الإنسان إعداداً متكاملاً يزوده بالمهارات الضرورية، ويعزز لديه قيم حقوق الإنسان، واحترام الوقت، وتحمل المسؤولية. الحاجة ماسة لإعداد ''استراتيجية للشباب'' فاعلة وعملية تختلف عن الاستراتيجيات، التي أثقلت الأرفف دون قيمة عملية!