خام غرب تكساس يستعيد عافيته أمام برنت
لقد أثارت الفجوة الكبيرة بين أسعار خام غرب تكساس الوسيط وخام برنت، التي وصلت في بعض الأحيان إلى أكثر من 25 دولارا للبرميل الواحد، تساؤلات كثيرة على مدى قدرة العقود الآجلة للنفط الخفيف في سوق نايمكس، المتمثل بخام غرب تكساس الوسيط، على تمثيل أسواق النفط العالمية. هذا التراجع الكبير للخام الأمريكي عن نظيره برنت ضخّم أيضا من التوقعات بخصوص انحسار وزوال دوره كمؤشر عالمي لأسعار النفط. لكن منذ أواخر شباط (فبراير) الماضي، قلص خام غرب تكساس الوسيط الفجوة مع خام بحر الشمال إلى أكثر من النصف، بعد نحو ثلاث سنوات من التراجع الكبير. حيث يتم تداوله حاليا بفارق عشرة دولارات للبرميل الواحد عن نظيره خام برنت. كما أن الخامات الأمريكية الساحلية ارتفعت هي الأخرى بصورة حادة مقارنة بنفوط حوض الأطلسي، مما سهل استئناف تجارة الأسواق الآنية Spot عبر المحيط الأطلسي. الأسباب وراء هذا التحول في هيكل أسعار خام غرب تكساس الوسيط بعضها هيكلي (دائم) والبعض الآخر مؤقت، لكن هذا التحول لا يزال يخفي في طياته مشاكل أعمق من بينها استمرار الحظر المفروض على صادرات النفط الخام في الولايات المتحدة.
كثير من التحول في تقليص الفجوة بين خام برنت وخام غرب تكساس الوسيط، هو نتيجة لاختلاف توقيتات الصيانة الموسمية للمصافي في أسواق حوض الأطلسي. حيث إن شركات التكرير الأمريكية قامت بإجراء كثير من صيانتها الموسمية في وقت سابق في الربع الأول، حيث بلغ معدل إغلاق المصافي للصيانة ذروته في شباط (فبراير)، في حين أن شركات التكرير الأوروبية تقوم حاليا (بداية الربع الثاني) بإجراء الصيانة الموسمية لمصافيها، مما قد يتسبب في توقف نحو مليون برميل في اليوم من طاقات التكرير.
نتيجة لعودة مصافي ساحل الخليج إلى العمل بعد انتهاء موسم الصيانة الدورية، تقوم شركات التكرير الأمريكية حاليا باستيراد مزيد من النفط الخام من حوض الأطلسي. على سبيل المثال، تقوم مصافي ساحل الخليج للمرة الأولى منذ عامين باستيراد نفط من حقل بحر الشمال فورتيز Forties، منذ منتصف آذار (مارس) ارتفعت واردات الولايات المتحدة من النفط الخام النيجيري إلى 400 ألف برميل في اليوم، بعد انخفاضها إلى صفر تقريبا في بداية آذار (مارس). كما تم تصدير النفط النرويجي من حقل إيكوفسك Ekofisk للمرة الأولى في تسعة أشهر إلى شرق كندا. لقد انعكس ارتفاع الطلب الأمريكي على نفط حوض الأطلسي على أسعار نفط لويزيانا الخفيف الحلوLight Louisiana Sweet، إن مصادر الشحن تستخدم هذا الخام لقياس اقتصاديات الاستيراد. لقد تم تداول نفط لويزيانا الخفيف الحلو خلال الشهر الماضي بفارق سبعة دولارات للبرميل الواحد فوق خام بحر الشمال برنت، هذا الفارق الكبير لم تشهده الأسواق منذ أواخر عام 2008.
إن أسواق خام بحر الشمال برنت تتأثر أيضا بالمتغيرات التي تطرأ على التعاملات التجارية، وبالانخفاض الموسمي في الطلب على النفط في أوروبا. على سبيل المثال، تدرس كوريا الجنوبية في الوقت الحاضر إمكانية تغيير نظامها الخاص بالإعفاءات الجمركية على تصدير المنتجات النفطية، لمنع شركات التكرير من الاستفادة مرتين من إعفاءات الرسوم الجمركية على واردات النفط الخام من بحر الشمال. إن احتمالية تطبيق المقترحات الكورية بخصوص الإعفاءات الجمركية على تصدير المنتجات النفطية بأثر رجعي قد أثر بالفعل سلبيا في شحنات النفط الخام المتجهة شرقا. كانت شركات التكرير الكورية الجنوبية تستورد قبل بدء مناقشة المقترحات نحو 140 ألف برميل في اليوم من نفط خام بحر الشمال، وبصورة رئيسية من حقل فورتيز Forties. لكن شحنات خام بحر الشمال انخفضت إلى نحو 65 ألف برميل في اليوم خلال آذار (مارس)، وفي هذا الشهر ليس من المتوقع أن تذهب أي شحنات من بحر الشمال شرقا، ما يحرر مزيدا من الإمدادات إلى أسواق الولايات المتحدة.
في الوقت نفسه يقترب أيضا خام غرب تكساس الوسيط من المرحلة الأخيرة من التحول الهيكلي الكبير الذي بدأ بشكل مؤثر في منتصف عام 2010، عندما طغت موجة ارتفاع الإمدادات من أمريكا الشمالية على البنية التحتية للتخزين والنقل للوسط الأمريكي Mid Continent. حيث إن خط الأنابيب العكسي الذي يطلق عليه القرن الطويل Longhorn بدأ اعتبارا من هذا الشهر بتحويل نحو 75 ألف برميل في اليوم بعيدا عن مركز التخزين لخام غرب تكساس الوسيط في كوشينج Cushing بولاية أوكلاهوما باتجاه مصافي ساحل الخليج. في وقت لاحق من هذا العام سترتفع شحنات النفط خلال خط الأنابيب العكسي هذا إلى 225 ألف برميل في اليوم.
المؤشر الأمريكي ''خام غرب تكساس الوسيط'' لا يزال في حالة ''كونتانجو'' Contango، بمعنى أن الأسعار المستقبلية (الآجلة) أعلى من الأسعار الفورية، ما يعكس حقيقة كون منتجي النفط في الوسط الأمريكي لم يتمكنوا بعد من بيع جميع إنتاجهم في الأسواق الفورية، وعليهم أن يأخذوا في الاعتبار تكلفة تخزين كميات كبيرة من النفط الخام. لكن طاقات النقل الجديدة التي من المؤمل أن يبدأ تشغيلها خلال هذا العام سوف تستنزف الفائض في إنتاج النفط من الوسط الأمريكي بسرعة أكبر، هذه الطاقات تشمل المرحلة النهائية من خط الأنابيب العكسي آنف الذكر وخط أنابيب آخر بسعة 700 ألف برميل في اليوم بين كوشينج وهيوستن، الذي من المتوقع أن يشغل في نهاية العام الحالي.
لكن مشكلة أين سيذهب النفط من هيوستن لا تزال قائمة. إن إنتاج النفط من تشكيلات الصخر الزيتي يرتفع بصورة تفوق البنية التحتية المتوافرة لنقله جنوبا إلى الأسواق، مما أدى إلى انخفاض أسعار تداوله وتراجع الإنتاج. على سبيل المثال، إنتاج النفط الخام من تشكيلات الصخر الزيتي في ولاية داكوتا الشمالية وتكساس تراجع إلى 750 ألف برميل في اليوم من 800 ألف برميل في اليوم، ما يعكس تراجع عمليات الحفر، ذلك أن منتجي النفط هناك لا يستطيعوا أن يضمنوا وصول إنتاجهم إلى الأسواق. يعتقد البعض أن الحل يكمن في رفع الحظر الفعلي على صادرات النفط الخام في الولايات المتحدة، ذلك أن مصافي ساحل الخليج المعقدة بحاجة إلى واردات نفط ثقيل وحامضي، في حين أن المصافي القديمة في أمريكا اللاتينية يمكنها الاستفادة من صادرات الولايات المتحدة من النفط الخفيف الحلو لتقليل اعتمادها على وقود البنزين والديزل المستورد.