حاجز الـ 50 .. جرس من نوع آخر

حاجز الـ 50 .. جرس من نوع آخر

اضطربت سوق النفط الأسبوع الماضي وسعر البرميل في تراجعه المضطرد قارب 50 دولارا، وبقي بينه وبعد التراجع إلى ما تحت ذلك الرقم السحري 29 سنتا فقط. ويذكر أنه في فترة تصاعد الأسعار المستمرة منذ نحو أربع سنوات من العشرينيات من الدولارات سعرا لبرميل النفط إلى الثلاثينيات فالأربعينيات، احتل سعر 50 دولارا للبرميل مكانة متميزة كونه يعتبر الحاجز النفسي الذي ما أن تجاوزته السوق حتى انفتح الباب أمامها إلى 60 دولارا فـ 70، وفي الصيف قارب سعر البرميل 80 دولارا. ولم يستبعد بعض المحللين في فترة من الفترات بلوغ السعر 100 من الدولارات خاصة بعد بروز عوامل لم تكن في الحسبان، مثل الطلب الصيني المرتفع، وعواصف كاترينا وغيرها.
وبالقدر نفسه، فإن اقتراب سعر البرميل من 50 دولارا واحتمال تراجعه قرع أجراسا، لكن إلى مستمعين من نوع آخر، لدى المنتجين هذه المرة. وتصدرت فنزويلا والجزائر الدعوة إلى خفض جديد للسقف الرسمي للدول العشر الأعضاء في منظمة الأقطار المصدرة للنفط (أوبك)، عدا العراق المستثناة من أي خفض في إنتاجها، فهل هو الخوف من انفتاح باب التراجع السعري إلى ما دون الـ 50 والعودة إلى أيام نسيها الكل كانت "أوبك" تستهدف فيها 20 دولارا للبرميل؟
وقبل الدخول في تحليل ينبغي الإشارة إلى عاملين أسهما في نهاية الأسبوع الماضي في تعديل مسار السعر وتحويله إلى أعلى، بل إنه عند الإغلاق يوم الأربعاء سجل ارتفاعا بنحو دولار. أولهما موجة البرد التي ضربت منطقة الشمال الشرقي في الولايات المتحدة، وهي التي تستهلك نحو 80 في المائة من وقود التدفئة، وهذا موسم الطلب عليه، وهذه الموجة مرشحة للاستمرار لفترة أسبوعين آخرين، الأمر الذي يشير إلى أنها ستوفر أرضية لاستقرار الأسعار فوق 52 دولارا للبرميل.
أما ثانيهما فيتمثل فيما أدلت به الوكالة الدولية للطاقة في تقريرها الشهري الأخير، وأشارت فيه إلى صعوبات تواجه تصاعد الإنتاج النفطي من خارج "أوبك"، وتحديدا من ثلاثة من المنتجين الكبار في المجموعة، وهم: كندا، المكسيك، والنرويج، الأمر الذي سينتج عنه أن حجم النمو المتوقع في الإمدادات من خارج "أوبك" لهذا العام سيتقلص بنحو 300 ألف برميل يوميا إلى 1.4 مليون، وأن الطلب على نفط "أوبك" يتوقع له أن يرتفع في المتوسط بنحو 200 ألف برميل إلى 28.6 مليون هذا العام، وذلك تعديلا لتقريرها الأخير الشهر الماضي.
وهذا ما يعود بنا إلى حديث العوامل الثابتة والمتحركة في السوق، فـ "أوبك" ليس في مقدورها فعل شيء بخصوص الطقس، ورغم أنها قد تكون أكثر سعادة بتراجع الإمدادات من المنتجين خارجها، إلا أن الأمر في النهاية يعتمد على دولة وقدرتها على تنفيذ خططها الخاصة بالإنتاج، هذا طبعا إذا استثنينا جهد "أوبك" في رفع الأسعار، الذي أسهم ابتداء في بروز ظاهرة المنتجين من خارجها، لأنها وفرت الأساس الاقتصادي لبعض المناطق لتصبح منتجة بصورة تجارية.
يبقى لها عامل السيطرة على الإمدادات من طرفها، وهو ما هدفت إليه قرارات الدوحة وأبوجا بتقليص 1.2 مليون خلال تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، على أن تلحقها نصف مليون أخرى ابتداء من مطلع الشهر المقبل.
السجل الواضح حتى الآن أن الأرقام متضاربة حول ما تم تحقيقه فعلا، وهي في الحد الأدنى تبلغ 85 ألف برميل يوميا فقط تم خفضها خلال تشرين الثاني (نوفمبر) من قبل الدول العشر ليكون إنتاجها خلال ذلك الشهر 27 مليونا إلى الأكثر تفاؤلا ويعطي الخفض نسبة 50 في المائة، أي في حدود 600 ألف برميل.
والغريب أن أكثر الأصوات ارتفاعا بضرورة عقد لقاء ثاني للمنظمة حتى قبل اجتماع آذار (مارس) المقرر سلفا، تأتي من أكثر الدول خرقا للاتفاق وزيادة إنتاجها بدل خفضه مثل فنزويلا ونيجيريا، وهكذا يعود الوضع إلى الدوامة القديمة: قرارات على الورق بخفض الإنتاج لا يلتزم بها الجميع، ودعوات إلى اجتماعات وخفض جديد تلعب دورا مسكنا في رفع سعر ليوم أو يومين، الأمر الذي يدفع إلى حالة أما أن تظل الأسعار في معدلها الراهن فوق الخمسين دولارا، وغض الطرف عن قرارات اعتماد سقف إنتاجي معين، أو أن تتدهور الأسعار إلى ما دون ذلك وبصورة تؤلم كل الأعضاء ليتحركوا ويمارسوا شيئا من الجدية في خفض الإنتاج كما حدث من قبل في العامين 1999 و2000، حيث أدى الانضباط وقتها إلى رفع الأسعار ثلاثة أضعاف خلال عام واحد بسبب الجدية والانضباط، وهو ما حدث فقط عندما تراجع سعر البرميل إلى نحو 12 دولارا.
هذا هو السيناريو المتوقع خاصة مع غياب أي تحديد للسعر العادل الذي على المنظمة الدفاع عنه. وحتى إشعار آخر يبدو أن سعر الخمسين دولارا للبرميل سيشكل الحاجز الذي تتمحور حوله تحركات "أوبك" ولأسباب نفسية ومن باب التعود على هذا النوع من العائدات المالية.

[email protected]

الأكثر قراءة