ألمانيا تقود ملف الطاقة الأوروبي
يبدو أن ألمانيا، التي تولت قيادة مجموعة دول الاتحاد الأوروبي لهذه الفترة، أخذت زمام المبادرة في جهود طرح خطة أوروبية جديدة للطاقة. ومع أن التخطيط لهذه المبادرة يرجع إلى أوائل العام الماضي، إلا أن النزاع الأخير بين روسيا وجاراتها روسيا البيضاء من جهة وأوكرانيا مطلع العام الماضي، أعاد التنبيه إلى هشاشة وضع الطاقة في دول الاتحاد الـ 27، وضرورة تغيير أسلوب الاعتماد على مزود رئيسي للطاقة من نفط وغاز، مثلما هو الحال مع روسيا، التي توفر لدول الاتحاد ربع احتياجاتها من النفط والغاز في المتوسط.
وحاليا تعتمد دول الاتحاد الأوروبي على طرف ثالث لتوفير 82 في المائة من احتياجاتها النفطية و57 في المائة من احتياجاتها في ميدان الغاز، ويتوقع لهذه النسبة أن ترتفع إلى 93 في المائة و84 في المائة على التوالي خلال فترة ربع القرن المقبل.
في نهاية الأسبوع الأول من الشهر الأول من هذا العام أصدرت المفوضية الأوروبية استراتيجية طموحة جعلت محورها قضية التغيير المناخي، وذلك لتقليص الانبعاث الحراري بنسبة 20 في المائة حتى عام 2020 للوصول إلى معدلات الانبعاث الحراري التي كانت سائدة في عام 1999، وكذلك أن يصبح 10 في المائة من الوقود الذي تستخدمه السيارات عضويا.
ألمانيا من جانبها وضعت لنفسها تحديا بتقليص حجم الغازات المنبعثة منها إلى 30 في المائة فيما إذا تم الالتزام من قبل الدول الأخرى بنسبة 20 في المائة.
من ناحية أخرى، فإن الطقس الدافئ الذي يشهده النصف الشمالي من الكرة الأرضية بصورة عامة أسهم في تقوية الحجة بالإشكالات المتعلقة بالتغير المناخي، وهي قضية ظلت إلى حد كبير مثار اهتمام في دوائر ضيقة من المتابعين لقضايا البيئة.
وفي مسح أجري أخيرا، أوضح 95 من الذين استطلعت آراؤهم في ألمانيا أنهم يرون أن قضية أمن الطاقة من الأهمية بمكان، كما أشار 94 في المائة إلى أنهم يعتبرون قضية التغير المناخي ذات أولوية.
الخطة الطموحة تتطلب التركيز على مجالات الطاقة البديلة وتنويع مصادر الإمدادات مع زيادة في الإنفاق على الأبحاث المتعلقة بخفض الانبعاث الحراري، لكن ترك موضوع اللجوء إلى الطاقة النووية لكل بلد كي يقرر فيه كما يراه.
هذه الخطة تتطلب من جانب آخر استثمار نحو مليار يورو أو 1.3 مليار دولار في جهود بحثية، خاصة في مجالات الطاقة المتجددة والاحتباس الحراري والفحم النظيف، كما سيتم التركيز على كيفية تحسين الفاعلية في استخدام الطاقة، وذلك بهدف إحراق طاقة أقل بنسبة 13 في المائة في 2020 وبالتالي تحقيق وفورات سنوية في حدود 100 مليار يورو، أو 130 مليار دولار و860 طنا من الكربون ديوكسايد.
الجماعات المهتمة بالبيئة اعتبرت الخطة غير كافية، وهي جاءت متأخرة على أي حال، وبالتالي فإن تأثيرها سيكون ضعيفا، رغم أن قضايا التغير المناخي أصبحت عالمية، لكن دوائر الأعمال أبدت تخوفها من أن تؤدي هذه الأهداف الطموحة إلى إحداث تباطؤ في النمو الاقتصادي ستكون له انعكاساته السياسية والاجتماعية مثل اضمحلال فرص العمل وبالتالي زيادة البطالة.
رئيس المفوضية الإسباني الأصل خوسيه مانويل باروسو، لخّص الاستراتيجية الجديدة بالقول إنها تسعى إلى بناء اقتصاد يقوم على استعمال أقل للوقود الأحفوري والاستعداد لمرحلة ما بعد الثورة الصناعية.
وفي بداية الأسبوع الثالث من شباط (فبراير) المقبل سيقوم وزراء الطاقة في دول الاتحاد بمناقشة الخطة الاستراتيجية، وعند إقرارها من طرفهم يتم تحويلها إلى القادة الذي سيلتقون في الشهر الذي يليه في قمتهم السنوية، حتى يمكن إصدار التشريعات اللازمة لوضع الخطة موضع التطبيق.
ومع أن البعض يرى قصورا في أن الخطة لم تسع إلى إيجاد سوق واحدة للطاقة عبر أوروبا، إلا أن المسؤولين يقولون إنه من الصعب في الوقت الحالي جمع دول الاتحاد الـ 27 في سوق واحدة. فإلى جانب العقبات السياسية، فإن اختلاف درجات التطور الاقتصادي يجعل من الصعوبة بمكان القيام بمثل هذه الخطوة. ففرنسا مثلا تعتمد على الطاقة النووية لتوفير 80 في المائة من احتياجاتها الكهربائية، بينما دولة مثل بولندا لا تزال تعتمد على الفحم للحصول على الطاقة الكهربائية.
على أن القناعة التي بدأت تترسخ أن العالم أمامه فرصة عشرة أعوام تقريبا قبل أن تتوطد المشكلات الناجمة عن التغير المناخي، ولا بد من عمل شيء خلال هذه الفترة.
الاجتماع الذي استضافته نيروبي في أواخر العام الماضي شهد خلافات وصراعات حادة بين الدول الحاضرة وعددها 160، نتيجة عدم وجود قواسم مشتركة يمكن التحرك على هديها لمرحلة ما بعد اتفاق كيوتو، الذي يفترض أن ينتهي في 2012. ولهذا يرى المهتمون بالأمر أن خطة الطاقة الأوروبية يمكن أن تشكل قاعدة تبنى عليها إرادة سياسية يمكن أن تفتح الطريق أمام توافق دولي لمعالجة قضايا التغير المناخي التي أصبحت واضحة للعيان.