إغلاق الماسنجر يطيح بمواقع وبرامج الإنترنت
مع بداية الألفية وفي زخم ثورة الإنترنت لم يكن في ذهن أشد المتشائمين أن برنامج الماسنجر الذي شكل ثورة في عالم التواصل عبر الشبكة سيصبح من ماضي الإنترنت وجزءا من ذكريات المستخدمين.
كانت الإنترنت وما زالت مدعومة بالتطور التقني والبرمجيات الحديثة قاسية على الماضي، لم ترحم المنتديات ولا المدونات ولا كثيرا من برامج التواصل التي أفلت بسرعات متفاوتة، حتى أصبح سيف التطور مسلطا على رأس الماسنجر الذي استسلم لواقع الإقصاء الذي تمارسه التقنية الحديثة.
وأمس الأول سمح البرنامج بآخر تسجيل دخول لمشتركيه، منهيا حقبة ابتدأت في عام 1999 وهو العام الذي صادف بداية انتشار الإنترنت بين المستخدمين في السعودية ودول الخليج الذين فوجئوا حينها بأسلوب تواصل جديد وبلا أي تكلفة.
وجاءت نهاية الماسنجر بعد عام ونصف من إعلان مايكرسوفت شراءها برنامج الاتصالات الشهير سكايب مقابل 8.5 مليار دولار، مخبرة بأن مستخدمي ويندوز لايف ماسنجر سيتلقون تحديثاً يحوّل البرنامج إلى أحدث إصدارات برنامج سكايب.
وعودا على بدء، فقبل 14 عاما من الآن انطلق البرامج الأشهر في التواصل بين المستخدمين على مستوى العالم بخدمات غاية في البساطة لا تتضمن أكثر من محادثة كتابية، ثم محادثة صوتية واتصال مجاني بكل من أمريكا وكندا. وأتاحت مايكرسوفت البرنامج لجميع المستخدمين دون أن تربطه بإنشاء حساب في الهوتميل رغبة منها في دعمه، ثم أضافت مميزات جديدة وحسنّت الاتصال بالخوادم الذي كان مشكلة مزمنة للمشتركين؛ الأمر الذي قفز بالبرنامج إلى قوائم الأكثر تحميلا وجعله رفيقا لا غنى عنه في الإبحار عبر الإنترنت، وشيئا فشيئا إلى الصعود.
والعقد والنصف من عمر الماسنجر ليست طويلة تحت أي معيار، وهي علاوة على كونها قصيرة تكاد تكون متلازمة لكثير من البرامج والمواقع التي تسيدت عالم الإنترنت. فهذه النهاية تسلط الضوء على المراحل التي تمر بها الإنترنت وصعود برامج أو مواقع إلى القمة، ثم أفولها السريع وغيابها الجزئي أو الكلي بعد ذلك، فأوائل مستخدمي الإنترنت في الخليج يذكرون برنامج ''هير مي'' الذي ذاع صيته كأهم برنامج محادثة صوتي ولم يكد موقع عربي يخلو منه، ثم التحول إلى مرحلة ما يسمى الديجي شات، وكلاهما إما انتهى بالكامل أو أنه في آخر سلم أولويات المستخدمين.
وبعد هذا عانت المنتديات التي كانت في مرحلة ما الوجهة الأولى لغالبية المستخدمين العرب مأزق العزوف الجماهيري باستثناء منتديات متخصصة ظلت صامدة في وجه موضة التدوين السريع على تويتر وفيسبوك، مستندة إلى تخصصها في مواضيع معينة في ظل سقوط كبير لمنتديات ''كل شيء''.
وفي آب (أغسطس) الماضي أغلق موقع الساحة العربية أبوابه بعد سنوات من الضجيج الفكري والمواجهات الحوارية الساخنة في استشراف من أصحاب الموقع الذي كان أبرز موقع حواري عربي على الإطلاق لواقع الإنترنت الجديد ليس على الصعيد التقني وانتشار القنوات الإلكترونية التي يتم طرح كل الآراء عبرها دون رقيب فحسب، بل حتى على الصعيد الفكري والتحولات التي أصبح عليها الناس اليوم.
ولم تسلم المدونات من ضعف الإقبال عليها حتى تكاد تصبح أرشيفا أو مرجعا ليس إلا في ظل سيطرة مواقع التواصل الجديدة التي استلمت الدفة إلى أجل غير معلوم.
وتلاشت الشعبية التي حظي بها الماسنجر بفعل الزمن الذي أتى بماسنجر بلاكبيري وبكل من فيسبوك وتويتر ويوتيوب، ورغم محاولة مايكرسوفت الدفع بتطبيق الماسنجر عبر المتاجر الخاصة في الأندرويد وأبل، بل وحتى في متجر نوكيا البدائي قبل أكثر من خمس سنوات، لكن هذا كله لم يكن كافيا لإيقاف عجلة الزمن التي أبت إلا أن تتجاوز هذا البرنامج المقرب من العرب خصوصا؛ كونه ابسط وأكثر دعما للغة العربية في وقت كان برنامج ياهو ماسنجر ينافس على الصعيد العالمي بمميزات أكبر، لكن بدعم عربي أقل.
وهذا الميزة ذاتها دفعت كثيرا من المستخدمين العرب لإنشاء وسوم كثيرة على تويتر تودع البرنامج وكتب أحدهم ''وداعا ماسنجر.. كان العالم شاسعا لولا وجودك. بك عرفنا أن العولمة ممكنة، لم تكن مجردّ لوحة كيبورد، ولا شاشة تنقل رموزا تعبيرية .. كنت مرآة حقيقية لمشاعر حقيقية لن يطويها النسيان!. بغيابك، نطوي مرحلة من حياتنا لم تكن جميلة إلا بك ومعك''.
ويبدو أن استشعار مايكرسوفت للمرحلة التي يمر بها برنامجها الأشهر والتي لا يمكن وصفها سوى بالاحتضار دفعها لأن تسبق الزمن وتحفظ ماء وجهه عبر تحويله إلى سكايب.
وقالت مايكرسوفت إن أسماء المستخدمين وكلمات المرور القديمة ستظل صالحة للاستخدام، فالمستخدم الذي يسجل دخوله في برنامج سكايب بوساطة بيانات حسابه على لايف ماسنجر، سيمكنه الوصول إلى جميع جهات الاتصال المسجلة في حسابه.
ويعتقد مختصون في مجال الإنترنت أن الدور عاجلا أم آجلا سيمر بمواقع القمة في الوقت الحالي، وألا استثناء لعجلة التقنية التي تدهس الجميع وتفاجئ المستخدمين بما يفوق الخيال، ويقول بعضهم أن فيسبوك يوشك أن يدخل مرحلة بداية المعاناة، فمع الصعود الصاروخي الذي قفز به إلى مليار مستخدم أواخر العام الماضي، كشفت الإحصاءات عن نمو ضعيف في عدد المشتركين الجدد وعن ما يقارب 100 مليون حساب وهمي، رغم أن الموقع لا يزال يتسيد نصف خريطة العالم مناصفة مع جوجل.
والسؤال الأكبر بعيدا عن التكهنات، هل سيواجه فيسبوك وتويتر ويوتيوب وحتى جوجل الدوامة نفسها التي هوت بمن سبقوهم إلى القاع؟