.. كما نصف خبزة الأمير
.. هناك أوقاتٌ جميلة، وهناك أوقاتٌ أجمل.
لقد كنت قبل الأمس في الجبيل بتجمّع كشفي في متنزه ''الدفي'' الواسع، كأنه رئة كبيرة يتنفس بها أهل الحي، وجيد أن حرص مخططو المدينة في العناية بالخضرة ومساحات المتنزهات الواسعة بالجبيل الصناعية. وقد شُرِّفتُ بالدعوة للحضور. وصلت، وانغمرتُ فخوراً بتبادل التحيات والحديث مع الشباب الكشافة الذين يقومون بحملة لحماية البيئة بالجبيل. وفهمتُ من الرجل النشِط نائب رئيس الجمعية، المشرف العام على المشروع، الدكتور ''عبد الله الفهد'' أن فتيان الكشافة رفعوا أطناناً من المخلفات الصناعية وغيرها في ذاك اليوم.
شيءٌ جميلٌ، بل جميلٌ جداً. طيّب، أعود لكلام نردّده كثيراً وهو نزول المسؤول الحقيقي والجاد إلى موقع وميادين العمل التطبيقي، وبث روح العزم والتصميم خصوصاً في الشباب الذين هم مولد الأعمال في أي أمة. ثم في أمرٍ آخر ومهم؛ أننا نريد أن يتعلق الشبابُ بأرضهم، بمدنهم، بصيانة أصول الأمة، ولا يتحقق ذلك مهما كبرت وتلوّنت حملاتُ الوعظ والإرشاد. لا أجد تعلقاً لأي إنسان بأي شيءٍ مادّي كتعلقه بأي شيء يقوم بخدمته هو، أو يصنعه هو، أو ينجزه هو، إن كان شاباً كشفياً أو من عموم الشباب. الشبابُ مع الطاقة التي تتفجّر في عروقهم، يملكون أيضاً فورةً عارمةً من الحب.. المهم أن يتوجّه هذا الحبُّ العارم لأمرٍ صحيح. إن آمَنّا وأحببنا ووثقنا بالشباب فهم مَن سيعلموننا كيف ننتمي لوطننا، أرضنا، أكثر من كل ما نقوله ونتمناه.. حقيقة. نعود لموضوع المسؤول. أعجبني الأمير فيصل بن عبد الله وزير التعليم، بوجوده الحقيقي وبلا مرافقين رسميين، وبقاؤه مع الشباب بلباسه الكشفي مثلهم تماماً، وتباسطه معهم.. وبدت عليه الروح المرحة، وهذا دليلٌ على استمتاعه بوقته مع الشباب. تبادلنا طُرفاً سريعة، ثم استأذنته للحاق برحلة، فإذا هو ينادي عليَّ ثم مدّ لي خبزةً لذيذة يختص بها الجبيليون لتطفئ جوعي في الطريق. لا.. كانت نصف خبزة!
هذا يقودني لموضوع حرّك مياهاً ليست ساكنة ولكنها تهدر وتضيع وبعضها يأكله ترابُ الأرض ولا يستفيد منه أحد، صدقوني ولا حتى حارسوه ومن يظنون أن الأرضَ لهم وحدهم.. إن الأمة لن تصلح إلا بضميرٍ جادٍ ونظيف.. أكرّر جاداً ونظيفاً للقيام بعمله. وإني مثل كثيرين مستعد أن أقبّل رأسَ كل مسؤول من أعلى فنازلاً، فقط أن يقوموا بأمرٍ واحدٍ لا غير.. أن يؤدوا واجبهم المطلوب منهم. ولكُنا بألف خير.
جاءت تغريداتُ صديقنا الكبير الدكتور ''سلمان العودة'' مختلفة هذه المرة، واختلاف العودة يأخذ طريقاً تصاعدياً إيجابياً، لأنه عقلٌ فائرُ الأداءِ قابل للتطور والتمحور حول عواميد المناسبات والظرف والموضوع، ليدعم العوامد لا ليهدّها.. طبعاً!
طالع كل تغريدةٍ من تغريداته الأخيرة في سعيه للمساهمة في ترسية أساسات وطنه، كل تغريدة من عشرات التغاريد المرقّمة لم يلبس فيها مسوحَ الواعظين، ولا قدّم النصحَ بجفاف - أنا قلت النصح - بينما بدت تغريداته من نوع قول الرأي الذي رآه صحيحاً لم يتعدّ الخطّ والحدّ الذي يأمله كل مواطن محب، وحرص بذكاءٍ على نفَسٍ هادئ كانسياب ماء نهرٍ وقد استقر في مجراه، وليس شلالاً صاخباً يفجر بوصوله أول مجراه. ولم يظهر بمعطفٍ أكاديمي بحكم شهادة الدكتوراه التي يحملها، ولم يبدُ منظِّراً ساعياً لمرتبة كبار المنظرين. كان في كل تغريدةٍ رجاءٌ قلبي وفكري وضميري فقط كي تسير الأمورُ أحسن.. ليس إلاّ. لم يرد أن يظهر سلمان العودة بأي شكل، ورغما عنه كانت صفة ضمير الأمة تغلب على كل ما قال. وما قاله في غاية البساطة في التطبيق.. كما كان مريحاً أن يكون وزير التعليم الأمير فيصل يقضي الوقتَ عملياً مع شباب الكشافة وقد رَبَوا على الأربعة آلاف كشّاف بتباسطٍ واهتمامٍ متطلّعا لدوره في بناء أمّته..
وأيضا.. كما نصفُ خبزةٍ الأمير فيصل، لا تغثّ.. وتُرضي.