شبابنا والأخذ في سن العطاء
جاء لوالده وهو ابن الـ 25 عاماً يطلب منه مالاً لإصلاح سيارته وتعبئتها وقودا ولمصروفاته اليومية وأعطاه والده ما يريد وهو مبلغ تجاوز الألفي ريال وذهب الولد ورأيت على محيا الوالد مظاهر الغضب والضيق فسألته ما المشكلة؟ فقال لي عبارة ما زالت ترن في أذني وهي ''أن ابني يأخذ المال مني في سن العطاء''، فأنا أنفقت عليه وإخوته ـــ ولله الحمد ـــ مَن تجاوز من إخوانه سن الـ 21 أو الـ 22 أنهى دراسته الجامعية وعمل وأصبح يساعدني في تكاليف الحياة وهذه حالة شاذة غير محتملة. إذ ما زال يدرس ويطالب بمصروفات هائلة تتناسب وعمره والتزاماته وصداقاته.
ويضيف الوالد تخيل لو أن ابنك المراهق يريد أن تعامله كما كنت تعامله أيام الطفولة وتضعه في حجرك وتقبّله ألا تشعر بأنه مختل عقلياً، مبيناً أن حالة من الضيق والاكتئاب تصيبه كلما جاء ابنه الذي هو في سن العطاء ليطلب المال لأي سبب كان دون أن يشعر بأن زمن الأخذ قد ولى وأن زمان العطاء قد حل وحان، ويؤكد أن لا مشكلة لديه في الإنفاق عليه من جهة القدرات المالية، ولكن المشكلة أن هذا الولد لا يشعر بأنه مخطئ وأن لديه مشكلة تجب معالجتها سريعاً بالعمل الجاد لإنهاء دراسته الجامعية بالتزامن مع العمل في أي وظيفة إن أمكن ليطمئن قلب أبيه.
من محاسن المصادفات أني قبل سماعي حديث الوالد سمعت حلقة نقاشية على الهواء في إحدى الإذاعات تتحدث عن سبب كسل الشباب وعدم اهتمامهم بما يدور حولهم وعدم تحملهم مسؤولياتهم كما هو وضع الشباب سابقاً ولقد أعجبني قول أحد المتصلين أننا نحن شباب (الطعشات وأوائل العشرينات) بحسب تعبيره تلقينا جرعة كبيرة من ''الدلع'' من والدينا ومن المجتمع عموماً جعلتنا اتكاليين بشكل كبير وغير مبالين بشكل كبير بوضع الأسرة والمجتمع ولا نتحمل مسؤولياتنا ونظن أن مسؤولية والدينا مستمرة وعليهم أن يدعمونا حتى نكمل دراستنا متى ما شئنا وأن يبحثوا لنا عن الوظيفة المناسبة وأن يزوجونا ويساعدونا في حياتنا الزوجية أيضاً في الحصول على السكن المناسب مثلاً، وأن الدولة مسؤولة عن توظيفنا بدعمنا بالمال لغاية ما تجد لنا الوظائف وأنه ليس من مهامنا أن ننزل للأسواق للبحث عن العمل أو الفرص الاستثمارية.
إذن نحن أمام حالة يضيّع فيها بعض الشباب السعودي الفرص التعليمية وفرص الدعم التي تقدمها الدولة، فضلا عن فرص الحماية من المنافسة من الوافدين كما يضيّع فيها فرصة الحضانة الإيجابية من الأسرة التي تدعمه معنوياً ومالياً حتى يتخرج ويعمل في الوقت المناسب، شباب لا يتحمّل مسؤوليته تجاه نفسه أولاً وتجاه أسرته ثانياً وتجاه المجتمع ثالثاً ولا يبالي بذلك كله ويطالب الأسرة بأن تستمر في حضانته من جهة المسكن والمأكل والمشرب والملبس والتنقلات والطلعات مع أصحابه بل حتى السفر معهم، كما يطالب الدولة بأن تجد له الوظيفة الملائمة حال تخرجه بأضعف المؤهلات والدرجات دون مروره بامتحانات تقييم ودون أن تطالبه برفع معارفه ومهاراته لينهض بمهامه على أكمل وجه دون إلحاق الضرر بالآخرين، إذ عليها أن تجد الموظف الأجنبي المساعد له ليقوم بالعمل نيابة عنه بالصورة المثلى.
لست متجنياً على الشباب ولكن بيني وبينهم المعطيات والحقائق فنحن في بلد غني يتيح لأبنائه فرص التعليم العام بالمجان ومن ثم التعليم المتوسط (المعاهد) أو العالي (الجامعي وما فوقه) بالمجان أيضا بل يمنح الطلبة مكافآت مالية وحسب علمي أن المعاهد المهنية والتقنية والجامعات قادرة على استيعاب خريجي التعليم العام كافة سنوياً، هذا فضلاً عن برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي، هذا من جهة التعليم والتأهيل، أما من جهة الفرص الوظيفية والاستثمارية الصغيرة والمتوسطة وبرامج دعمها فحدّث ولا حرج وهي فرص يتمكن منها الوافدون بكل سهولة ويحوّلون أكثر من 100 مليار ريال سنويا لأسرهم هناك، هذا ما هو مسجل ومعلن أما ما هو غير ذلك فالله به عليم.
ومن ملاحظات شخصية رأيت كثيرا من الشباب السعودي غير متعلم نتيجة إهماله، أقول رأيت أنه عندما أراد أن يتحمل مسؤوليته تجاه نفسه وأسرته بعد أن تغيّرت قيمه ومفاهيمه نتيجة ظروف معينة أو صحبة صالحة أو موقف مؤثر وجد فرص العمل أو الاستثمار بعد أن جدّ وعقد العزم وثابر، بل إن بعضهم أصبح في حكم رجال الأعمال بعد أن أتقن العمل في مجال معين وفهم أسراره وصبر وثابر بكل عزيمة وتحمّل حتى ذاق حلاوة النجاح والتميز ومعظمهم يؤكد أن كونه سعوديا تتاح له كل الفرص في الوظائف والاستثمار بخلاف الوافدين الذين يتمنون أن تتاح لهم نصف مميزات السعودي وفرصه.
كل مَن تحدثت معهم بشأن أبنائهم غير العاملين الذين ما زالوا يأخذون منهم وهم في سن العطاء يشتكون بصورة أو بأخرى من اختلال في قيمهم ومفاهيمهم، ويؤكد لي أحد الآباء أن قلقه على ابنه ليس نابعا من كون ابنه لا يعمل بل من كونه مختل القيم والمفاهيم بما ينذر بفشل لا مفر منه حتى إن وجد الوظيفة المناسبة له، ويؤكد أن الجنسيات الوافدة الجادة ما يلبث شبابها حتى يجدوا العمل ويحققوا المداخيل الجيدة ويتطوروا شيئاً فشيئاً حتى يصبح الكثير منهم أصحاب مصالح تجارية بشكل غير معلن وهو الأمر الذي يؤكد أن الفرص متوافرة لمن أراد وقدّم متطلبات الحصول عليها.
وأؤكد من جهتي أن نسبة كبيرة من مشاكل شبابنا العاطل عن العمل هي اختلال قيم ومفاهيم ومعارف خصوصا من جهة فهمهم المسؤولية والعزيمة والصبر والمثابرة والإصرار والكرامة فيما يتعلق بالعمل والنجاح به سواء كانت وظيفة أو استثمارا وعليهم مراجعة ذلك بكل صراحة مع أنفسهم وسيرون التغيرات والنتائج الإيجابية متى ما أصلحوا من أنفسهم.