الهجرة غير النظامية تهدِّد أمن المواطن!
الهجرة غير النظامية أو غير الشرعية كما تُسمى أحياناً ليست جديدة، وليست مقتصرة على دول دون أخرى، ولكنها تتجه ـــ بشكل خاص ـــ إلى الدول الغنية، خاصة الولايات المتحدة والدول الأوروبية وكذلك دول الخليج. والهجرة غير النظامية إلى دولة معينة تُعد مخالفة لقوانينها وانتهاكا لسيادتها، وتثير كثيرا من القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية. وتراوح تقديرات أعداد المهاجرين الذين انتهكوا حرمة الحدود الدولية بصفة غير نظامية ما بين 25 و32 مليونا خلال 2010، أي ما يمثل نحو 15 في المائة من إجمالي المهاجرين عبر الحدود الدولية. وأكبر تيارات الهجرة غير النظامية تحدث عبر الحدود الجنوبية للولايات المتحدة وكذلك حدود الاتحاد الأوروبي. وهناك أسباب ودوافع كثيرة تقف وراء هذا التحرك السكاني، تأتي في مقدمتها الزيادة السكانية والفقر والبطالة في الدول المصدرة، إضافة إلى التمييز العنصري والحروب والقلاقل والمجاعات والأزمات الاقتصادية.
وعلى الرغم من تعاطف كثير الناس والمنظمات الإنسانية والدول مع هؤلاء المهاجرين البائسين الراغبين في تحسين أوضاعهم المعيشية، فإن الانعكاسات السلبية على الأمن والاستقرار الاجتماعي في البلد المضيف (المستقبل لهم) تؤدي إلى القلق وعدم الارتياح لهذا النوع من الهجرة، ما يجعل كثيراً من الدول تحاول الحد من تدفقها عبر الحدود بالسبل والتقنيات المتاحة كافة.
وتعاني المملكة تدفق أعداد كبيرة من العرب والأفارقة عبر الحدود البحرية الجنوبية الغربية، وخاصة مع اليمن. ونظراً لطبيعية هذه الهجرة غير النظامية، فإن المهاجر قد يرتكب جرائم السلب والنهب أو العنف أو ترويج المخدرات وكذلك الجرائم الأخلاقية، ثم يخرج متسللاً إلى خارج البلاد. وقد برزت ـــ بالفعل ــــ هذه المشكلة على السطح في جنوب غربي المملكة واتضحت خطورتها لتصبح مصدر تهديد لأمن المواطنين وترويعهم في مساكنهم. فقد سجلت جرائم خطف واغتصاب وسلب ونهب وترويج مخدرات في أنحاء منطقة عسير وغيرها من المناطق. وقد بلغت الخطورة إلى درجة أن يتولى بعض المواطنين بأنفسهم مداهمات لأوكار هؤلاء المهاجرين غير النظاميين.
وهنا تبرز عدة تساؤلات حول أسباب عدم معالجة هذه المشكلة في وقت مبكر قبل استفحالها وازدياد شكوى المواطنين من خطورتها؟ وهل أدى غياب التنسيق بين الأجهزة الحكومية المعنية إلى التأخر في التعامل معها بما يتناسب مع حجمها وخطورتها؟ أم أنه تصعب السيطرة على هذا التدفق، خاصة لطول الحدود البرية والبحرية للمملكة وصعوبة تضاريسها؟
الأمر المهم أن تتغير سياسة تجاهل المشكلات الاجتماعية إلى أن تستفحل وتتعمق في المجتمع، وعندئذ يصعب التعامل معها وإيجاد الحلول لها، ومن ثم يصبح حلها مكلفاً مالياً وإدارياً. فمن المفترض، بل من الواجب أن تُدرس هذه المشكلة دراسة عميق لمعرفة دوافعها والأساليب المتبعة للتسلل عبر الحدود ونتائجها، وذلك من أجل وضع سياسة ناجعة تتعامل مع المشكلة من ثلاثة محاور: أولاً تحديد الدوافع والعمل على تقليل تأثيرها ـــ إن أمكن ـــ من خلال التفاوض مع الدول المصدرة، وثانياً، تطوير آليات وتقنيات ضبط الحدود وزيادة تأهيل حرس الحدود لزيادة فاعليتهم للتصدي لهذه المشكلة، وثالثاً التعامل مع المهاجرين أنفسهم بعد نجاحهم في الدخول، إما بمنح بعضهم رخص عمل نظامية إذا كان الاقتصاد في حاجة إلى وجودهم، أو تسجيلهم وتوثيق مخالفتهم لأنظمة الإقامة بطريقة دقيقة وإعادتهم لبلدانهم بأسلوب يحمي الدولة المستقبلة من جهة، ويحافظ على كرامة هؤلاء المهاجرين غير النظاميين من جهة أخرى.