حرمان الفتيات من مهورهن يثير الدهشة ويفتح باب التساؤلات الشرعية
فتيات في عمر الزهور شباب يافع يعيشون هموم الزواج ويقفون في مفترق الطرق ، دون أن تنتهي مشكلتهم للدخول في عالم المتزوجين ، يعيشون في صراع مع النفس وهم بعيدون عن تحقيق رغباتهم ، فذاك يحتاج إلى إكمال المهر وثالث إلى موافقة أسرة الفتاة ورابع لا يدري كيف يمكن إقناع أسرته بعدم البذخ في ظل ظروفه الصعبة ،وهم ينظرون إلى سابقيهم الذين تزوجوا وأنجبوا وهم مازالوا يقسطون لوالد الزوجة ما تبقى من المهر الذي أصبح بعض الآباء يعتقدون أنه حق خالص لهم دون أن يكون للفتاة أي قدرة على التدخل ، إنها عقبات عدة تقف أمام زواج فتياننا وفتياتنا ولذلك نجد أن مشكلتهم مستمرة دون أن يكون لها نهاية ولا يستطيعون تجاوزها إلا من لديه الإصرار والحرص على الزواج، لذا ظهرت المطالبة بتلمس مثل هذه العقبات حتى يكون هناك حل لها ومن هنا كان طرق هذا الموضوع المهم، وننشر اليوم العقبات والحلول لمشكلات الزواج التي ذكرها عدد من أكابر علمائنا. في البداية يقول عن هذه المشكلة سماحة المفتي العام للمملكة الشـيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ هناك عقباتٌ كأداء تحول بين شبابنا وبين فتياتنا من الزّواج، لو أنّ المجتمع المسلمَ تعاون في حلّها وتذليلها لصار خيرًا كثيرًا لمجتمعنا المسلم.
وأبان سماحته أن مِن تلك العقبات:
نظرُ بعض الآباء والأمّهات إلى مَن يتقدّم لخطبة الفتاة، فنرى أحيانًا خطأ من أمّهات الفتيات، يتمثّل هذا الخطأ الذي تقع فيه الأمُّ أحيانًا في أنّها تنظر إلى خطيبِ ابنها بنظرٍة خاصة، وتريد مواصفاتٍ معيّنةً، والأمر في ذلك أيضًا مادّي، فهي لا تريد لفتاتِها إلا من يكون ذا كذا وذا كذا، ذا مال أو ذا جاه أو ذا عملٍ كبير أو غير ذلك، فهناك مِن الأمّ خطأٌ في أنّها لا ترغَب في زواج فتاتِها إلا بأمور معيّنة لو فكّرت حقًّا لرأت أنَّ كثيرًا ممّا تريد ليس من مصلحةِ الفتاة في مستقبلها، فالأمرُ بيد الله، والفقر والغنى بيد الله، ويقول الله جلّ وعلا: "ِن يَكُونُواْ فُقَرَاء يُغْنِهِمُ ?للَّهُ مِن فَضْلِهِ" [النور:32]. لا شكّ أنّه مطلوبٌ من الزوج القيامُ بالنفقة، لكن لا يُجعل الغنى وحدَه أو كثرة المال وحده هي الوسيلة، وإنّما يُسلَك الأمر الوسَط في ذلك.
قد يخطئ الأب أحيانًا إذا خُطِبت منه فتاته، ويطلبَ مهرًا زائدًا وتكلفاتٍ هائلة قد تثقل كاهلَ ذلك الشابّ الخاطب، تثقل كاهلَه، وتحمّله ما لا يطيق.
ويوضح سماحته أنّ الآباءَ والأمهاتِ مسؤولون جميعًا عن هذه المهمّة الكبرى، والمطلوب منهم التعاون على البرّ والتقوى ويضيف أنّ صداقَ المرأة أمر مطلوبٌ شرعًا، "وآتوا ?لنّسَاء صَدُقَـ?تِهِنَّ نِحْلَةً" [النساء:4]، هذا أمر لا شكّ فيه، فماذا يريد وليها من صداقٍ يثقل به كاهلَ ذلك الخاطب؟! وقد لا يجد كثيرًا منه، وقد يتحمّل ديونًا ويأخذ قروضًا بفوائد متعدِّدة، يشتري سيّارات أو غيرها، ويحمِّل ذمَّتَه أمرًا لو فكّر فيه لرأى صعوبةَ الأمر وعسرَه عليه، ومتى يقضي ذلك الدّين، فيعيش في همٍّ وغمّ وثُقلِ الدَّين الذي يقلِق مضجعَه ويجعله في همّ وغمٍّ ملازم.
إذا تقدّم لفتاتِك خاطبٌ فانظر الدّينَ أوّلاً، ثمّ انظر عقلَه ورجاحة فكره وأهليّته لتلك الفتات، فإذا توسّمتَ فيه الخيرَ واستخرتَ الله واستشَرت غيرَك ممّن تظنّ أنّه يشيرك بالخير، فإيّاك أن تردَّ ذلك الزوجَ لأجل مطامعَ ماديّة، لا تجعل المادّةَ هي المعيار في القبول أو الردّ، ولكن اجعل الأخلاق والعقل وحسنَ التّصرّف هي الغاية المقصودة. أمّا المهر فلا تكلِّفه ما لا يطيق، لا تطلب ما لا يُستطاع، فما أوتيت من مهرٍ فسيجعل الله فيه بركة، فأنفقه قدرَ استطاعتك، والله سييسّر الأمور، وسيجعل الله بعدَ عسرٍ يُسرًا.
ويؤكد الشيخ الدكتور عبد الرحمن السديس إمام وخطيب المسجد الحرام أن هذه المشكلة من صميم الحياة الاجتماعية، وتتعلق بحياة كل فرد وأسرة في المجتمع على مختلف الظروف والمستويات، وحيث إنها كذلك لا تزال موجودة متجددة، تتقدم الأعوام وتزداد العراقيل، وتمضي السنوات وتكثر العقبات، وكأن الطرق قد سُدَّت أمام الراغبين في الزواج، والحواجز قد وضعت في طريقهم، والعوائق تنوعت وتعددت في دروبهم، حتى ظهر الحال بمنظرٍ يُنذر بخطر العواقب وسوء المنقلب، وحتى غدت قضايا الزواج مُلحّة تحتاج إلى علاج فوري، وتَصَدٍّ جِدِّي من المسلمين جميعًا، ولا سيما من ذوي المسؤولية ودعاة الإصلاح.
لذا كان لا بد من طرحها بإلحاح، قيامًا بالواجب الإسلامي، وشعورًا بمأساة كثير من الشباب العاجزين عن الزواج، والفتيات العوانس في البيوت، الذين أصبحت تكاليف الزواج تمثل شبحًا مخيفًا لهم، وعقبة كَأْدَاءَ في حياتهم، وهم لا يزالون يصطلون بنار الشهوة، ويكتوون بلظاها.
ومضى يقول لقد أبانت شريعتنا الغراء، المنهج الواضح في هذه القضية المهمة، فقد جاءت بتيسير أمور الزواج والحث على الاقتصاد فيه، روى الإمام أحمد -رحمه الله- من حديث عائشة رضي الله عنها أن رسول الله قال: ((إن أعظم النساء بركة أيسرهن مؤونة))، فالذين يخالفون هذا المنهج بالتأخير والتسويف، والإثقال والتعقيد، إنما يخالفون شرع الله، وسنة رسوله القولية والفعلية.
إن هذه المشكلة ومثيلاتها مردّها إلى غبش في التصور، وخلل في التفكير، بل لا نبالغ إذا قلنا: إنها إفراز ضعف المعتقد، وقلة الديانة، والخلل في الموازين، وسوء الفهم لأحكام الشريعة، إنه النظر المُشَوّش حول المستقبل، والتخوف الذي لا مبرر له، والاعتماد على المناصب والماديات، والتعلق بالوظائف والشهادات، وتأمين فرص العمل زعموا، مما يزعزع الثقة بالله، والرضا بقضائه، ويضعف النظر المتبصر، والفكر المتعقل.
ويحث الشيخ الدكتور عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين عضو الإفتاء سابقا على أهمية مبادرة الشباب والفتيات عمليّا إلى الزواج متى ما تيسر لهم أمره، وأن لا يتعلقوا بأمور مثالية، تكون حَجرَ عثرة بينهم وبين ما ينشدون من سعادة وفلاح، ويقصدون من خير ونجاح، وأن لا يتذرعوا بما يسمونه تأمين المستقبل، فالله عز وجل يقول: "وَأَنْكِحُواْ ?لأَيَـ?مَى? مِنْكُمْ وَ?لصَّـ?لِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمائِكُمْ إِن يَكُونُواْ فُقَرَاء يُغْنِهِمُ ?للَّهُ مِن فَضْلِهِ"[النور:32]، وصدِّيق هذه الأمة رضي الله عنه يقول: "أطيعوا الله فيما أمركم من النكاح يُنجز لكم ما وعدكم من الغنى"، ويقول ابن مسعود رضي الله عنه: "التمسوا الغنى في النكاح".
ويحث الشيخ الدكتور عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين عضو الإفتاء سابقا على البعد عن الإسراف في تكاليف الزواج لأن ذلك عامل مهم في اجتياز هذا الحاجز الكبير الذي يقف حائلا أمام الشباب فلابد من نصح الأسر عن هذا الإسراف، بل يقتصرون على أدنى الكفاية من الطعام، بذبح اثنتين أو على الأكثر أربعاً من الغنم المتوسط، والاقتصاد في صنعة الطعام، وفي استئجار بيوت الحفلات، فالاقتصار على الحفل في منزل أحد الزوجين دون تكلف ودفع الزيادة والمنافسة في استئجار بيوت الحفلات الغالية، وقد قال الله تعالى (ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين) (الأعراف:31) وقال الله تعالى (ولا تبذر تبذيراً إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين) (الإسراء:27). والتبذير هو إفساد المال المحترم، بحيث يكثر من الأطعمة التي لا أهمية لها، والتي يذهب أكثرها في الأرض أو مع القمامات، مما ينذر ويخيف بسلبها كما حصل لمن قبلنا ويؤكد على أن المهر هو من حق الفتاة.