تنافسية الاقتصاد السعودي (1 من 2)
كشفت الهيئة العامة للاستثمار أخيرا النقاب عن برنامج لترويج الاستثمار الأجنبي المباشر يسمى 10X10. يهدف البرنامج إلى رفع تصنيف تنافسية بيئة الاستثمار في السعودية إلى أحد المراكز العشرة الأولى في العالم بحلول عام 2010.
وعلى الرغم مما تضمنه البرنامج من هدف اقتصادي طموح، إلا أنه يثير التساؤلات ليس حول طبيعة استراتيجية التنفيذ وآلياتها، وإنما حول كفاءة الهيئة العامة للاستثمار في ظل وقوع العديد من المقومات الاستراتيجية لمنظومة الاقتصاد السعودية ضمن حوكمة هيئات ومؤسسات حكومية بعيدة كل البعد عن حوكمة الهيئة العامة للاستثمار.
وبرنامج 10X10 يضمر محورين مهمين يجب التأكيد على مناقشتهما بشكل موضوعي بهدف تفادي انحراف مركبة الاستثمار السعودية عن مسار الطموح إلى مسار التطلعات. يدور المحور الأول حول التباين بين مضمون كل من برنامج 10X10 وتقرير التنافسية العالمي، الذي أصدره المنتدى الاقتصادي العالمي مطلع الربع الحالي. ويدور المحور الثاني حول كفاءة الهيئة العامة للاستثمار في تحقيق الهدف ضمن الأعوام الأربعة المقبلة.
إنه من الأهمية بمكان قبل مناقشة المحورين الرجوع إلى أدبيات التنافسية لمدارسة تعريف التنافسية. تُعرَّف التنافسية على أنها قدرة وأداء منظومة اقتصادية على إمداد سوق معين بشكل مستديم بخدمة أو سلعة. قد تكون هذه المنظومة الاقتصادية شركة، أو قطاعا، أو صناعة، أو دولة، أو مجموعة دول. على سبيل المثال، قدرة وأداء شركة سابك في إمداد سوق البتروكيماويات العالمية بشكل مستديم باحتياجاتها من المواد البتروكيماوية، أو قدرة وأداء دول منظمة أوبك على إمداد سوق النفط العالمية بشكل مستديم باحتياجاتها من النفط الخام.
عندما يُتَحدث عن التنافسية الاقتصادية على مستوى دولة أو مجموعة من الدول، فإنه دائما ما تذكر معها أدبيات كلية هارفارد للأعمال، جامعة هارفارد، وأستاذها الدكتور مايكل بورتر، وكلية سلون للإدارة، معهد ماستسوسش التقني، وأستاذها الدكتور باول كروجمان.
والسبب في ذلك أن الأول طوّر فلسفته في التنافسية الاقتصادية من منظور الاقتصاد السياسي، مستفيداً من العلاقة الوثيقة بينه وبين أعضاء إدارة الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون إبان فترة حكم الحزب الديمقراطي فترة التسعينيات الميلادية من الألفية الماضية. والثاني طوّر فلسفه تتعارض وفلسفة الأول، مستنداً إلى أدبيات الاقتصاد الاجتماعي في معارضتها تسييس الاقتصاد العالمي.
وبغض النظر عن الخلاف الجذري بين الفلسفتين، فإن الدكتور بورتر استطاع في مطلع التسعينيات الميلادية من الألفية الماضية أن يطور إطارا نظريا مبنيا على أدبيات الاقتصاد السياسي يسمى "نموج الماسة"، وذلك في كتابه المنشور عام 1990م بعنوان "الميزة التنافسية للأمم".
يهدف "نموج الماسة" إلى تزويد القائمين على منظومة الاقتصاد المحلي بأداة قياس شمولية لتساعدهم على إعادة هيكلة مقومات المنظومة بما يضمن تحقيق أفضل مستويات التنافسية. ويقسم "نموج الماسة" منظومة الاقتصاد المحلي إلى خمسة مقومات: استراتيجية وهيكلة وتنافسية المنظومة، شروط الطلب، المقومات المساندة، عوامل الإنتاج، والدور الحكومي. تتبع ذلك التقسيم آليات لتطوير العلاقة بين هذه المقومات الخمسة، بما يضمن لمنظومة الاقتصاد المحلي تحقيق أفضل مستويات الإنتاجية.
اكتسب "نموج الماسة" شهرة واسعة في مجال تطوير الاستراتيجية، عطفا على اعتماد عدد ليس بالقليل من المكاتب الاستشارية العالمية، خاصة الأمريكية، على "نموج الماسة" كأرضية نظرية لتقديم الاستشارات الاستراتيجية اللازمة لعملائها من الهيئات والمؤسسات الحكومية والخاصة في معظم المنظومات الاقتصاديات المتقدمة، والانتقالية، والناشئة.
من التطورات المهمة في "نموج الماسة" تطوير أدواته لتنتقل من الشمولية، التي تعتمد في قياساتها على مدخلات منظومة الاقتصاد المحلي (نظرة داخلية)، إلى الموضوعية، التي تعتمد في قياساتها على مدخلات منظومة الاقتصاد العالمي (نظرة خارجية).
تبنّى المنتدى الاقتصادي العالمي مطلع العقد الحالي بلورة هذه التطورات المهمة في "نموج الماسة" عندما تعاقد مع الدكتور بورتر لإصدار تقرير التنافسية العالمي بشكل سنوي منذ 2001، حتى اليوم. حيث ينشر التقرير نتائج تقييم منظومة الاقتصاد العالمي لتنافسية عشرات المنظومات الاقتصادية المحلية.
لعلي أقتبس من مقال الدكتور جاسم حسين في "الاقتصادية" (مفاجآت تقرير التنافسية الاقتصادية لعام 2006 - 08/09/1427هـ) حول منهجية تقرير التنافسية العالمي في قياس مستوى التنافسية:
"يستند تقرير التنافسية إلى ثلاثة متغيرات رئيسة هي: أولا بيئة الاقتصاد الكلي, ثانيا وضع المؤسسات العامة، وثالثا الاستعداد التقني للبلد. يقيس المعيار الأول بيئة الاقتصاد الكلي أو الشامل ويركز على أمور حيوية مثل العجز أو الفائض في الموازنة ونسب التضخم والبطالة والنمو الاقتصادي.
أما المتغير الثاني، فيهتم بوضع المؤسسات العامة للتأكد من وجود شفافية في المعاملات الحكومية ومحاربة الفساد الإداري. ويدرس المعيار الثالث الاستعداد التقني أو التكنولوجي من حيث انتشار وسائل الاتصالات مثل تقنية المعلومات والإنترنت.
تتمثل المنهجية المستخدمة في صياغة المؤشر على جمع المعلومات العامة المتوافرة, إضافة إلى استطلاعات رجال الأعمال. يعطي المؤشر نقطتين لكل متغير أي ست نقاط للمعايير الثلاثة مجتمعة. يقيس المؤشر مدى نجاح السياسات الاقتصادية المتبعة في الدول المشمولة في التقرير.
وبناء على ما تقدم، فإن تقرير التنافسية العالمي هو تقرير شامل ينظر إلى تنافسية منظومة الاقتصاد المحلي أجمع، وليس فقط إلى تنافسية بيئتها الاستثمارية. وبالتالي، فإن منظومة الاقتصاد المحلي يلزمها إجراء عملية إعادة هيكلة شاملة لمقوماتها الاستراتيجية عندما ترغب ليس في تحسين تصنيف تنافسيتها فحسب، وإنما في الحصول على أحد المراكز العشرة الأولى على مستوى منظومة الاقتصاد العالمي.
ولكن، ماذا عن كفاءة الهيئة العامة للاستثمار؟ يتبع الأسبوع المقبل، بإذن الله.