البرد والأسمدة ونقص العمالة ترفع أسعار الخضراوات بعد 20 عاما من الاستقرار

البرد والأسمدة ونقص العمالة ترفع أسعار الخضراوات بعد 20 عاما من الاستقرار

طالب زراعيون ورجال أعمال الجهات المختصة بالسماح باستقدام أيدي عاملة في القطاع الزراعي للسيطرة على ارتفاع أسعار الخضراوات والفواكه التي شهدت ارتفاعات عالية جدا، بعد أكثر من 20 عاما من الاستقرار الذي خلقه دعم القطاع الزراعي.
من جانبه، أكد المهندس عبد العزيز بن محمد البابطين الرئيس التنفيذي للشركة الوطنية للتنمية الزراعية "نادك" أن ما شهدته منتجات الخضار أخيرا من ارتفاع في الأسعار يؤكد أهمية وسلامة الإجراءات التي تتخذها الدولة للمحافظة على دعم القطاع الزراعي التي من شأنها تحقيق استقرار مهم للأسعار للمنتجات الزراعية.
أشار المهندس البابطين إلى أن المملكة كانت تنعم وخلال سنوات طويلة بأسعار منخفضة ومستقرة لمنتجات الخضار مقارنة بأسعار الدول المجاورة إلا أنه في الفترة الأخيرة اضطر عدد من المزارعين الأفراد الذين يعتمد إنتاج الخضار عليهم بنسبة كبيرة إلى التوقف عن ممارسة العمل الزراعي نتيجة تدني جدوى الاستمرار فيه بعد إجراءات الحد من استقدام العمالة وزيادة بعض مدخلات الإنتاج وذلك في ظل ما يعتريهم من قلق على مستقبل هذا النشاط بسبب توجه بعض الجهات الإعلامية مطالبة بالحد من الزراعة، والاعتماد في غذاء البلد على الاستيراد من الخارج وهنا أتمنى على من يتناول موضوع الزراعة ألا تقتصر نظرته على جانب واحد منه بل ينبغي أن يبحث من خلال تقييم أوسع ليشمل جانب بالغ الأهمية ألا وهو إن إنتاج الغذاء محلياً يجنب التأثير على خيارات وتوجهات مملكتنا الغالية بما تمثله من مركز ومحور للعالم الإسلامي .
وقال إن ما نشهده من ارتفاع حالياً في أسعار الخضار ينبغي أن نعتبره منبها لنا للعمل والسعي نحو استقرار سوق المنتجات الزراعية لما تمثله من جزء أساسي في غذاء أبناء مجتمعنا كافة.
ونوه المهندس البابطين بالدعم الذي يلقاه محصول القمح من قبل الدولة "رعاها الله" ووصف قرار الدعم بالمهام والرشيد نظرا لما يمثله محصول القمح من أهمية استراتيجية للوطن والمواطنين مكن من إنتاج كميات تكفي لحاجة المملكة والسيطرة على مستويات تكاليف إنتاجه، مستشهداً بالارتفاع الحالي لأسعار القمح عالميا التي وصلت إلى أكثر من 1100 ريال للطن مقارنة بملغ ألف ريال هو سعر الطن في المملكة مع ملاحظة أن صافي السعر هو بحدود 850 ريالا للطن بعد خصم الشوائب واحتساب مصروفات النقل والزكاة، وفي جانب آخر ينبغي أن لا نغفل أهمية القطاع الزراعي من حيث استيعابه العديد من الأيدي العاملة الوطنية وكذلك ارتباط الكثير من القطاعات المساندة الأخرى باستمراريته ومنها قطاع النقل وتجارة المواد ومدخلات الإنتاج .
وبين المهندس البابطين أن معالجة مشكلة ارتفاع أسعار الخضار تكمن في إجراء دراسة مستفيضة للمشكلة من جميع الجوانب وتعمل على معالجة المسببات، ومن أهمها وجوب النظر في توفير العمالة الزراعية بأعداد مناسبة لحجم القطاع على جميع مستوياته، وهذا يعد من أبرز المشاكل التي يعاني منها القطاع الزراعي في الوقت الحاضر، وقبل ذلك توافر القناعة بأهمية استقرار الزراعة المستدامة للوطن والمواطنين ، وتفهم دور المزارعين وأهمية تأمين إنتاج زراعي محلي لكيلا يكون الغذاء رهناً للتقلبات والتأثيرات الخارجية أياً كان مصدرها أو سببها .
وعن قدرة الشركات الزراعية السعودية على تأمين الطلب المتزايد على القمح، أكد المهندس البابطين قدرة الشركات عبر الإمكانات التي تملكها، ولكن تبقى محكومة بالمساحات الزراعية الممنوحة لها، رغم وجود إمكانية للاستثمار الجديد في هذا المجال ولكنها تستلزم توفير أو منح المستثمرين وبالذات في قطاع زراعة القمح ، مدى رؤية واضحة ومستقبليه، مبينا أن الاستثمار في الزراعة يحتاج قرار الدخول فيه إلى سنوات طويلة، قد تصل إلى نحو عشر سنوات، لضمان استرداد رأس المال المستثمر وتحقيق ربح مناسب، وهذا يعنى إعطاء المستثمرين تطمينات باستمرار ثبات الأسعار، وتسلم الكميات، وعليه فإن الشركات ستبذل ما في وسعها لتأمين الكميات المطلوبة من القمح.
وأضاف المهندس البابطين أن من المسببات لارتفاع الأسعار ارتفاع مدخلات الإنتاج خصوصاً منتجات شركة سابك التي زادت أكثر من 100 في المائة لسماد اليوريا ، وأسعار النقل، وأسعار الأجور المختلفة.
وعن التصدير ودوره في ارتفاع الأسعار، بين المهندس البابطين أن التصدير لا يمثل نسبة كبيرة، وبالتالي فتأثيره هامشي بل يكاد لا يذكر. من جانبه، أكد المهندس إبراهيم أبو عباة مدير عام الشركة "الوطنية الزراعية" أن ارتفاع الأسعار يرجع إلى عوامل منها أن ارتفاع الأسعار يكون في الشتاء الذي تزامن مع الفترة الذهبية للاستهلاك من بداية شهر رمضان حتى  ذي الحجة والتي تعتبر كمعدل عام على مدار العام أكثر فترة استهلاك للخضار بأنواعه (ارتفاع الطلب وقلة العرض)، كما تزامن تدني درجات الحرارة والتي وصلت هذا العام بالسالب (-7) وبالتالي انخفاض في الإنتاج سواء في البيوت المحمية أو بالخضار المكشوة، ظهور أكبر مشكلة تواجه زراعة الخضار المحمي والمكشوف وهي الصقيع الذي يؤدي إلى موت القمة النامية للنبات وخاصة الخضار المكشوفة مثل الكوسة، الباذنجان, البازيلاء، وخضار البيوت المحمية من خيار وطماطم وغيرها، إضافة إلى أصناف أخرى تأثرت بسبب الصقيع، حيث يعد الصقيع مدمرا للزراعة. وأضاف المهندس أبو عباة أن من الأسباب ارتفاع أسعار البذور والأسمدة والمبيدات في حال زراعة تقليدية، فكيف بحال الزراعة  العضوية، التي تعد تكاليفها مضاعفة، كذلك ضعف الاستيراد من الخارج والسبب ليس دعم المزارع وإنما قلة الإنتاج في الدول المصدرة للخضار، حيث تقدر نسبة انخفاض الإنتاج في الدول الأوروبية إلى أكثر من 30 في المائة إذ إن لديها المشاكل نفسها التي يعاني منها المزارع، ففي بعض الدول وصلت أسعار الخضار إلى نحو خمسة أضعاف السعر المعتاد عليه، وبناء عليه تم إيقاف تصدير الخضار إلى المملكة. ويشدد مدير عام الشركة "الوطنية الزراعية" على أن من الأسباب الرئيسة قلة العمالة نتيجة ما تمارسه وزارة العمل من ضغوط على الشركات الزراعية، والمتمثلة في عدم منح الاستقدام، وعشوائية سعودة أسواق الخضار، وتحايل الوافد على قرار السعودة بامتلاكه مزارع إنتاج الخضار، والتحكم في الأسعار، وما يؤدي إلى اتجاه المزارع والشركات إلى تغيير نشاطهم من زراعي إلى نشاطات أخرى وهذا ما تمت ملاحظته من توجه المزارعين إلى تغيير نشاطه من زراعي إلى آخر، كما لا نغفل عن جانب ارتفاع أسعار النقل بشكل عام أثر على نقل المحاصيل الزراعية بزيادة التكلفة. وفي السياق نفسه، أوضح المهندس محمد بن عبد الله الرشيد مدير عام شركة الرشيد للبيوت المحمية أن من الأسباب الرئيسة للارتفاع النقص الشديد في العمالة الزراعية، مما أدى إلى عدم تشغيل البيوت المحمية بكامل طاقتها، وبالتالي تأثر المعروض في السوق من الخضار.
وأشار المهندس الرشيد إلى أن الزيادة ليست وليدة الأشهر القليلة، أو بسبب البرد أو موسمي رمضان والحج، لأن ارتفاع الأسعار حصل خلال العام الماضي 2006، مضيفا أن الحد من الحصول على العمالة تسبب في بروز ظاهرة هروب العمالة بشكل لافت للنظر للعمل في مواقع أخرى للبحث عن دخل مرتفع، حيث أصبح الطلب عليها يزداد مع الوقت، محذرا من هذه المشكلة التي أصبحت تؤرق الشركات والمشاريع الزراعية، وهذا ما أصبحنا نلاحظ نتائجه في أسواقنا.
وحول عودة أسعار الخضار إلى سابق عهدها، أكد المهندس الرشيد أن ذلك مرتبط في الوقت الحاضر بوجوب فتح مجال الحصول على تأشيرات إحضار العمالة الذي سيسهم في المزيد من العرض وبالتالي انخفاض الأسعار.
أمام ذلك أكد خالد الباتع رئيس جمعية مزارعي حائل، أن الأسباب الرئيسية التي أدت إلى ارتفاع أسعار الخضراوات والفواكه تكمن في التقلبات الجوية التي شهدتها المملكة في الفترة السابقة، من خلال موجة الحر والصقيع التي تعاني منها بعض المدن السعودية وبالأخص في شمال المملكة.
ولم يستعبد الباتع أن يكون قرار وزارة العمل القاضي بتقليص عدد العمالة في المملكة قد أدى إلى وجود نقص حاد في العمالة الزراعية، وهو الأمر الذي اعتبره أثرا سلباً على كمية الإنتاج الزراعي في المملكة.
وقال: "إن استمرار وجود أزمة النقل ساهم في رفع الأسعار، في إشارة إلى فشل المشروع الذي تبناه البنك الزراعي والقاضي بتسليم الشباب السعودي سيارات التبريد الخاصة بنقل الفواكه والخضراوات، مؤكداً في الوقت ذاته أن متسلمي السيارات من الشباب عمدوا إلى تأجير الشاحنات "البرادات" للعمالة الأجنبية بدلاً من العمل فيها، الأمر الذي ألحق الضرر بالمزارعين بسبب ارتفاع أسعار الشحن ـ على حد قوله.
وأضاف قائلا: "إن تصدير المملكة في هذا الجانب ينحصر في البطاطس، البصل، والعنب، وأن استمرار التصدير في هذين المنتجين سيؤدي إلى ارتفاع الأسعار بشكل مستمر مستقبلا".
وبين الباتع أن ارتفاع الأسعار لم يطل السعودية فقط بل إنه أصبح مشكلة عالمية تعاني منها معظم الدول وعلى رأسها أوروبا التي تعاني هي الأخرى من ارتفاع الأسعار في منتجات الخضراوات والفواكه، لافتاً إلى أن ارتفاع مدخلات الإنتاج، النفط، وسوء الأحوال الجوية كان له نصيب الأسد في الصعود بالأسعار بشكل تدريجي.
وفي الوقت الذي أكد فيه الباتع أن المملكة تعاني حالياً من ندرة في الاستيراد الخارجي بسبب تحول مصر ولبنان للتصدير إلى الدول الأوروبية التي تعاني من أزمة الأسعار، إلا أنه أشار إلى أن عددا من تجار الخضار والفواكه في المملكة استغلوا وجود أزمة معروض، لرفع الأسعار بشكل كبير، وأن البعض منهم أخذ في استيراد بعض المحاصيل من الخارج وبيعها بأسعار مبالغ فيها.
وطالب رئيس جمعية مزارعي حائل بضرورة تأمين وسائل النقل الخاصة بالمحاصيل الزراعية وإيجاد الحماية الكافية لها، معتبراً أن استمرار نقص الشاحنات سيؤدي إلى استمرار ارتفاع الأسعار وتأثر المستهلكين بشكل سلبي.

الأكثر قراءة