رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


رفع كفاءة رأس المال الحكومي .. صندوق التنمية العقاري نموذجا

[email protected]

ينجز القطاع الخاص ما ينجزه القطاع الحكومي بنصف التكلفة التي يدفعها القطاع الحكومي, مقولة تكاد تكون مسلمة من المسلمات لدى المواطن السعودي لأسباب عديدة, منها ما يتعلق بضعف الإدارة، ومنها ما يتعلق بالبيروقراطية والروتين التي يعاني منهما المدير الحكومي معاناة شديدة، ومنها ما يتعلق بلا مبالاة الموظف الحكومي بأهمية المحافظة على المال العام، ومنها ما يتعلق بالفساد وخراب الذمم. والمحصلة بشكل عام مخرجات لا تتناسب مع المدخلات المالية التي رصدتها الدولة لإقامة هذا المشروع أو التصدي لتلك القضية أو معالجة تلك المشكلة.
والمملكة العربية السعودية كغيرها من دول المنطقة دولة رعوية تؤمن لمواطنيها الخدمات الأساسية (الإسكان، التعليم، والعلاج) مجانا أو شبه مجان, ما يجعل الموازنة تتحمل أعباء متزايدة سنويا نتيجة تزايد متطلبات السكان المتنامية سنويا بمعدل 3.7 في المائة، وهذا النمو يجعلها في نهاية المطاف غير قادرة على تلبية تلك المتطلبات الأساسية، ما يجعل المواطن يعاني ويتذمر ويلجأ إلى وسائل بعضها غير مرغوب فيه في نهاية المطاف لتوفير متطلباته.
المواطن السعودي وعلى الرغم من الخيرات والإيرادات الكبيرة التي تنعم بها البلاد يعاني من ضعف في التعليم (نحو 40 طالبا في الفصل) وضعف في الخدمات الصحية, البعض يحصل على مواعيد لأكثر من سنة والحصول على السكن في سن متأخرة من العمر، والسبب معروف في ذلك، ضغوط كبيرة على الميزانية لا يمكن أن تتحملها مهما زادت نتيجة ارتفاع أسعار النفط. نعم فالدول المتقدمة مرت بهذه التجربة وأدركت أن الدولة لا تستطيع الاستمرار في تقديم الخدمات الأساسية بالجودة العالية دون اللجوء إلى حلول ابتكارية تعتمد تفعيل الدورات المالية لتحريك قوى السوق عنصرا رئيسا في تلك الحلول.
وأود هنا أن أركز على موضوع الإسكان باعتباره الموضوع الأشد سخونة حيث تشير الأرقام إلى انخفاض نسبة ملكية المساكن خلال السنوات الخمس الماضية من 65 إلى 55 في المائة نتيجة محدودية فرص التمويل العقاري، وعدم مواكبة قروض صندوق التنمية العقارية الطلب المتزايد عليها خلال السنوات الأخيرة، كما تشير إلى أن موارد صندوق التنمية العقاري عجزت في السنوات الأخيرة عن مواكبة الطلب المتزايد على القروض، حيث أصبحت الفجوة بين الطلبات المقدمة ومعدل استجابة الصندوق لها تزداد اتساعاً، إذ تقدر طلبات التمويل التي تنتظر الاستجابة بنحو 400 ألف طلب في أوائل عام 2006.
خادم الحرمين الشريفين, حفظه الله, أمر بدعم صندوق التنمية العقاري بتسعة مليارات ريال مما سيتيح الفرصة لنحو 30 ألف مواطن (قيمة القرض 300 ألف ريال) من الحصول على تمويل يمكنهم من بناء مساكن شعبية أو أنصاف مساكن في ظل الارتفاع الجنوني في تكاليف العمالة ومواد البناء، وذلك إذا توافرت لهم الأراضي التي قفزت أسعارها في العاصمة السعودية (الرياض) بنسب تصل إلى 20 في المائة بعد قرار دعم الدولة صندوق التنمية العقاري بنحو تسعة مليارات ريال.
وبالتالي فإن رأسمالا حكوميا يصل إلى تسعة مليارات ريال سيحل بعضا من مشكلة نحو 30 ألف أسرة سعودية من أصل 400 ألف أسرة على الانتظار, هذا إذا تجاهلنا الطلبات الجديدة المتزايدة يوميا، بمعنى أن الحلول التقليدية لم تعد مجدية، فما الحل إذا؟
الحل هو الاسترشاد بتجارب الآخرين، تجارب من نجحوا في معالجة القضية الإسكانية حلا جذريا جعل المسكن كما السيارة تماما يمكن الحصول عليه في أي مرحلة من مراحل العمر، كما يمكن استبداله بكل سهولة ويسر حتى أصبحت مقولة "منزل العمر" مقولة غير دقيقة لديهم، بينما مازال منزل (لا منازل) في مقتبل العمر حلم كل مواطن سعودي ذي دخل متوسط لما يراه من صعوبة في ظل إمكاناته المالية والآلية التي تعمل بها الحكومة لتوفير المساكن التي تتمثل في أرض منحة في أراض غير مطورة وقرض يتوافر بعد أكثر من 15 سنة في أحسن الأحوال.
والحل, حسب اعتقادي, ممكن وسهل جدا, خاصة نحن, ولله الحمد, والمنة دولة ميسورة لديها من السيولة الكبيرة بيد المواطنين كما لديها موازنة كبيرة نتيجة تزايد إيرادات النفط التي نرجو أن تحافظ على أسعارها لمدة طويلة، الحل ببساطه يقوم على رفع كفاءة رأس المال الحكومي بحيث نستطيع استخدام المليارات التسعة لكي نوفر سكنا لـ 300 ألف مواطن بدل أن نوفره لـ 30 ألف فقط، كيف؟

أعتقد إذا قمنا بتقسيم المواطنين إلى ميسورين يستطيعون بناء مساكنهم واستثنيناهم من تلك الرعاية وهو الوضع الطبيعي، وإلى فقراء لا يستطيعون دفع أقساط شراء المنزل وأحلناهم إلى الإسكان الخيري، وإلى طبقة متوسطة تستطيع تحمل دفع الأقساط في حدود 25 إلى 30 في المائة من دخولهم، فإننا وببضعة مليارات كقروض طويلة الأجل نستطيع أن ندعم شركات التطوير العقاري لتنطلق في إنتاج وحدات سكنية بأعداد كبيرة، وبإصدار بضعة قوانين ندعم تأسيس شركات الرهن العقاري التي تقوم بشراء تلك المساكن لتبيعها للمواطنين بضمان رواتبهم وضمان الدولة للسداد من خلال المليارات المتبقية حيث تستطيع الدولة أن تؤمن هذه القروض أو تضمن سداد حتى 5 في المائة من المتخلفين عن السداد, وهي النسبة التي لا يمكن تجاوزها إذا كانت القوانين الصادرة واضحة وتنفذ بحزم.
ودعمنا ذلك بإيجاد سوق أولية وثانوية للسندات تمكن مجتمع الأعمال العقاري من الوصول إلى السيولة الكبيرة المتاحة لدى أصحاب المدخرات (نحو 620 مليار ريال) للاستفادة منها في تطوير وتمويل المزيد من الوحدات السكنية من ناحية وتنميتها من ناحية ثانية، وعملنا على تشجيع قيام شركات إدارة أملاك وشركات تقييم عقاري محترفة لأصبحت قضية الحصول على السكن واستبدال آخر به في منطقة أخرى أو بآخر أصغر أو أكبر منه وكأنها قضية شراء السيارة أو استبدالها بضمان الراتب الشهري.
وختاما أقول إن تطبيق هذه الفكرة ليست بالمستحيلة, خاصة أن الحكومة قامت بتنفيذ حل مشابه لدعم المنشآت الصغيرة والمتوسطة حيث أطلق صندوق التنمية الصناعية السعودي برنامج كفالة المنشآت الصغيرة والمتوسطة الذي يهدف إلى دعم هذه المنشآت، بالاشتراك مع البنوك التجارية، حيث يقوم الصندوق بضمان نسبة قد تصل إلى 75 في المائة من القروض التي تقدمها البنوك لتلك المنشآت، حيث تم تخصيص مبلغ 200 مليون ريال، كخطوة أولى، لهذا الغرض. كما تم أيضاً في إطار دعم هذه المنشآت، زيادة رأسمال بنك التسليف السعودي بمبلغ ملياري ريال.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي