رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


أمانة .. هل نحن لا نخون الأمانة؟

تأمل الإثنين
"هناك طريقة واحدة فقط كي تعرف عدم أمانة أي إنسان - اسأله. إن أجاب بنعَم، فهو.. نصّاب!".
جروشو ماكس

و"جروشو ماركس" هذا أمريكيٌ راحلٌ موهوبٌ في إعدادِ وكتابة وإخراج وتقديم البرامج التلفزيونية، ومن أمهر الكوميديين المسرحيين العميقي السخرية، وبذكاء صنفه "آرثر ميلر" بأنه خارق، وسُمّي بصاحب اللمعة الذكية. على أي حال الكلام الذي تقدّم المقال من صاحبنا لا يمكن أن أختم عليه نهائيا بالموافقة، لماذا؟ لأن "جروشو" نفسه من أمكر النصابين. وأيضا، لا يمكن إن أنكرَ أحدٌ على نفسِهِ أن يكون نصّابا، يصير فعلا نصّابا. لا، ليس معقولا.. أظن!
طيب، سؤالٌ أريد أن تجيبوني عنه بصراحة: هل كلكم أمناء؟ هل لم يُخْفِ ولا واحد منكم الحقيقة مرة، أو مرات؟ ألم يقل واحد منكم كلاما غير الذي في قلبه؟ في رأيي ألا أحد منا سلم من ذلك. لو عددت أنا يا كاتبكم أعدّد ما أخرق شروط الأمانة في اليوم الواحد، لما وثقتُ حتى بنفسي، لذا طبعا.. لا أفعل! وهذه بحد ذاتها قلة أمانة!
على أن قلة الأمانة، أو انعدامها، والتصريح بما ليس حقا في القلوب يتفاوت بطيف هائل الاتساع، من شخص يجامل جارَه قائلا: "جاورنا القمر يا أحلى جار"، أو زوجة تجامل زوجها بأنه سبع الرجال، أو مراجع يخاطب موظفَ أرشيف لـ "يدف" معاملته. وحتى تكبر لمستوى زعيم لا يُصْدِق شعبه، وشعبه يعرف أنه لا يُصْدِقه، ويحلف الطرفان على صدق الآخر.. عظيم. هل الحياة تحلو هكذا؟ في رأيي أننا نحتاج في وقت لا مفر منه من الكذب والتدليس وإخفاء الحقيقة، وحتى الكذبة الصريحة صفاتها التي تفتخر بها. لكن انتبه! أنظر إنك تذل نفسك لموظفٍ، وهانت النفسُ وصار بذلها عاديّاً من أجل معاملة.. وهنا إن أردت لا بأس كثيرا. ولكن عندما يقوم شعبٌ كامل بطاطأة رؤوسه والخنوع الذي يصل لتأليه زعيم، فإن الزعيمَ لن يحترم الشعب على ذلك، بل ستبرزُ مشكلة عويصة كل يوم، وهو أن الزعيمَ يحتاج إلى مزيد من الاحترام.. طبعا طريقة المزيد من الاحترام تعني مزيدا من قلة الثقة بالشعب، وتضييق الخناق عليهم بتعضيل جهاز الرقابة والعقاب والتهديد الدائم، والاعتقال الدوري.. إلى القصف الكامل بصورايخ من طائرات، وربما بأسلحة محرمة كالكيماويات. ولكل زعيم أوحد طريقته في التفنن في الإيغال في تعميق ممارسة الكذب والدجل وإهانة الذات، والناس بتعظيم الذوات بالخوف أو طلب المنفعة .. أو حتى كذا بالمجان.
هل العالم الغربي خالٍ من قلة الأمانة؟ لا حبيبي .. ليس خاليا مطلقا. على أن الأمور تتحول أن الشعبَ يخدع الشعب، وفي أعزّ ما يملك: سكنُه وماله.. انظر للدولة "العظيمة" الأمريكية صاحبة وثيقة الآباء المؤسسين الأسطورية التي تبدأ بنحن الشعب .. صدَقوا بذلك حقيقةً وطبقوها من البيت الحاكم التنفيذي إلى بيت النواب وبيت الشيوخ وباختيار الشعب وحكام الولايات. خلاص؟ صارت أمريكا جنة الشعوب؟ لا والله مساكين.
سأعطيكم فقط مثالا واحدا من أمثلة كثيرة. كانت شركة أمريكية كبرى في قطاع الطاقة اسمها "إيرنون"، سميت من فرط نجاحاتها وإبهارها في القيادة الاقتصادية المالية المتقدمة: شمشونة الشركات، عروس وول ستريت، ودلوعة الاقتصاد الجديد .. كانت "إنرون" كنزاً مالياً بونانزيا متحرّكا بمعدلاتِ أرباحٍ لم يحققها عمالقةُ شركات أمريكا .. قط. وتخاطف وتنازع وهجم الناس العاديون بمئات الآلاف يشترون اسهمهما (وكانت أموالا إضافية توزع على سِمَان الإدارة العليا). المهم أن أكبر مؤامرة خديعة مالية في الدنيا تمت وحيكت بليالٍ بلا قمر كانت بين مجلس إدارة شركة "إنرون"، ووكالات القياس، والمستشارين الذين عصبوا عيونهم، وأكبر بيت محترم في المحاسبة في كل العالم "آرثر أندرسون". فاختُرعت الغطاءات، والشركات الوهمية وترحيل الأرباح، وهي خسائر واقعا، بآليةٍ محاسبية بالغة التمويه طوّرها عباقرة البيت المحاسبي العالمي. طيب، هل كان هؤلاء فقط هم التفاحات الفاسدة؟ لا كان صندوق تفاح إنرون كله فاسدا، كل مدير وموظف أسهم في إخفاء الحقيقة، والنتيجة مئات الآلاف فقدوا مدخرات حياتهم، ومبالغ تقاعدهم، وباعوا بيوتهم وأخرجوا أبناءهم من الجامعات، غير الأمراض وهزّات الجنون.
هل كلّ واحد منا إذا أتيحت له الفرصة دون أن يعلم عنه أحد، ويكون بعيدا عن العقاب يمارس الخديعة لمصلحته؟
أترككم لتجيبوا.. على راحتكم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي