الأعشاب وتركيباتها .. عَجَاجٌ أم عِلاج؟ (1)
في خبر اهتمت به عدد من الوكالات الإخبارية قبل عدة أشهر وبالتحديد في شهر أكتوبر من عام 2012م مفاده بأن وزارة الصحة في إندونيسيا وقعت اتفاقية مع 26 جامعة محلية بها لإنشاء قاعدة بيانات وطنية تضم كل الأعشاب المتداولة والمستخدمة في أنحاء الدولة كافة. لقد كان الهدف الوقوف على ما يتم استخدامه للتداوي والبدء في وضع تنظيم ولائحة تقنن استيراد وتصدير واستخدام الأنواع المتداولة محليا، سواء كانت مستوردة أو منتجة محليا. لقد جعلوا من هذه الدراسة أولوية قصوى رصدت لها المليارات لتستفيد الدولة من وضع لائحة مسجلة رسميا بها وتأثيراتها الجانبية، سواء كمواد خام أو خلطات. وتخطط الوزارة بأن تكون اللائحة شاملة لجميع أنواع الأعشاب المفيدة والضارة مع نهاية المشروع ومن ثم يتم تحديثها دوريا، وتكون تحت جهة تراقب تطور هذا الشأن حسب الاختصاص.
من المعلوم علميا أن هناك ما يزيد على 420 ألف نوع من النبات حول العالم منه نحو 70 ألف نوع يستخدم في الطب الشعبي أو ما يسمى الآن عند بعض الأوساط "الطب البديل أو التكميلي". ما يتم تداوله استيرادا وتصديرا منها هو 3000 نوع. وتعتبر الصين أكبر مصدر على مستوى العالم والولايات المتحدة الأمريكية واليابان وألمانيا أكبر المستوردين بالترتيب. الإسهاب في هذه المعلومات لا ينتهي، ولكن لماذا تبحث إندونيسيا عن تقعيد لتجارة ومزاولة مهنية بعد أن قدمت رئيسة هيئة الغذاء والدواء للمملكة في عام 2008م، مما نتج عن ذلك أننا "سنستفيد من تجاربهم في التسجيل والحصر"؟. إن مثل هذا المشروع ليعني أن هناك تقنينا أكبر وضبطا أفضل تريده إندونيسيا في شأن تعلم أن لديها تقدما فيه بالإضافة إلى كونها بلدا زراعيا. لا أعلم إذا قمنا في المملكة العربية السعودية بمثل هذا الإجراء وتقنين إدارة هذا الشأن من قبل جهة واحدة من حيث الاستخدام؟. لا شك أن جامعاتنا ممثلة في كليات الزراعة أو أقسام النبات قامت بمسح وتعريف الغطاء النباتي، وأصدرت فيه أبحاثا وكتبا، وألف بعض الكتاب المهتمين بعض المؤلفات الفردية في بعض السنوات، وقد تم تحديد المفيد والضار من وجهة نظر أو بناء على بعض الأبحاث غير المتعمقة. السؤال هو هل على مستوى التنظيم والتقنين تم توحيد التعامل مع هذا الشأن بشكل نموذجي وناجع؟
مع أن هناك جهودا تبذل لا يمكن إنكارها إلا أن تشتتها يجعل المرجعية ضبابية. فبين وزارة الشؤون البلدية والقروية ووزارة الصحة ووزارة التجارة وأحيانا هيئة الغذاء والدواء (على استحياء) أستطيع القول إن هناك اجتهادا في بعض النواحي في الوقت الذي يتطلب الأمر تعريف أدوار وتحديد مسؤوليات تبعا للأهمية، خصوصا إذا ما علمنا أن هذا فرع من العلوم الحساسة والخطيرة إذا ما تركت بين عدة جهات تتناقل مسؤولية التسجيل والترخيص والاستخدام والتوعية والعلاج.. إلخ. لقد آن الآوان لوقف الاجتهاد فيما تم تعريفه وتصنيفه وتغطيته علميا وتجاريا، حيث إنه لم يعد في الطب أو صحة المجتمع من يترك دون أن يرخص ثم يتابع فيما يخبر به الناس للقيام بأي نوع من الطبابة. في هذا الشأن نحتاج إلى مختبرات مركزية وعلماء متخصصين ومرجعية اعتبارية لوقف انتشار تداوٍ وإشاعات غير مهنية وعلمية وتقنين التصدير أو الاستيراد غير المتخصص والمهني وتنظيم العلاقة بين الجهات المهنية المختلفة.
نعلم أن المركز الوطني للطب البديل والتكميلي قد صدر به قرار من مجلس الوزراء الموقر منذ أكثر من ثلاث سنوات، ليكون تحت إشراف وزارة الصحة المعنية أساسا بصحة المجتمع. وفي ذلك يكون التداوي بالأعشاب ونتائجه الصحية من اختصاصه. واقعيا ما نتحدث عنه لا يتعارض مع مهام هيئة الغذاء والدواء تنظيما. هذا لأن مهام المركز الوطني للطب البديل والطب التكميلي ما زالت تغطي العلاج الطبيعي، وعلاج تقويم العمود الفقري، والطب الصيني (التقليدي والوخز بالإبر الصينية)، والطب الهندي (الأيورفيدا، واليوجا)، والعلاج بالتأمل (البوذي الأصل)، والتنويم المغناطيسي، وعدد آخر لا يمكن حصره في هذا المقال.
إن إعداد قاعدة البيانات وتصنيف الأعشاب المفيدة منها والضارة وتقنين تداولها وصناعتها أو استخلاص المواد المختلفة منها ليس من مهام هذا المركز فلديه من الأعباء الميدانية ما تنوء بحمله وزارة بأكملها. لذلك فالتدخل العاجل لوقف أي تأثيرات مباشرة أو جانبية على الصحة العامة لتفريغ الوزارة لمهام تضطلع بها في المستقبل القريب أمر سينظم وضع "الطب الشعبي". هذا سيعين الوزارة على ألا تعود لدوامة التحاليل المخبرية وتسجيل وتصنيف الأعشاب وغير ذلك من المهام. لذلك إذا كانت وزارة التجارة ووزارة الشؤون البلدية والقروية ووزارة الصحة معنية بالمراقبة التجارية والسعرية والتفتيش الميداني والمتابعة التنفيذية والتبعية الطبية، حسب مركز الطب البديل والتكميلي، فإن التحاليل العلمية التي تتم في المختبرات المرجعية والتسجيل وإعداد قواعد البيانات المتخصصة والتراخيص المهنية للممارسين والتعاميم العلمية والتنظيمية والتحذيرات الصحية لا بد أن تصدر عن جهة متخصصة وستكون الجامعات روافد معينة. وللحديث تتمة.