رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


..وسقطت ورقة التوت عن وكالة الطاقة الدولية (1 من 3)

[email protected]

وسقطت ورقة التوت.. هاهي وكالة الطاقة الدولية عارية تماماً، غدرت بأصحابها الجدد، منتجي النفط، وعادت إلى أسيادها في باريس, لندن, وواشنطن.. شهر العسل بين منتجي النفط ومستهلكيه انتهى بسرعة، وعادت الوكالة "لعادتها القديمة". عادت للوم العرب، ونفط العرب، وبحر العرب، وخليج العرب. ما أسقط ورقة التوت هي التوقعات الأخيرة لوكالة الطاقة الدولية حتى عام 2030، التي تم الإعلان عنها في الشهر الماضي. هذه التوقعات التي جمعت في كتاب من القطع الكبير بدت متنافرة وغير مترابطة، لا تستند إلى الواقع، تم تجميعها من المجلات والتقارير المختلفة التي نشرت خلال العامين الماضيين. إضافة إلى ذلك فإن الكتاب يحتوي على كثير من الأخطاء في البيانات التاريخية، خاصة في مجال الغاز المسيّل. المؤلم في الأمر، أنه رغم الموقف التاريخي العدائي للعرب، ورغم فشل توقعاتها على مر الزمن، ورغم ضحالة التقرير الأخير، مازال مسؤولو شركات النفط الوطنية في الخليج يستخدمون توقعات وكالة الطاقة في كلماتهم التي يلقونها في العواصم العالمية وكأنها توقعات لا تقبل الشك أو النقاش، كان آخرها في طوكيو, عاصمة اليابان. إن الإمبراطور عار تماماً، ولكن لماذا لا يرى ذلك مسؤولو شركات النفط الوطنية في دول الخليج؟ هل يعود هذا إلى عدم وجود "فكر عربي نفطي" يتناسب مع مبادئنا الوطنية والقومية؟
التوقعات مبنية على انطباعات، وليس على أسس علمية,
لعل أسوأ ما في هذه التوقعات التي نشرتها وكالة الطاقة أنها مبنية على انطباعات كتابها، وليس على أسس علمية. فالمشكلة التي سيعانيها العالم حسب رأي الوكالة هم العرب، والنفط العربي، وشركات النفط الوطنية. لقد تناست وكالة الطاقة الدولية أن أزمة الطاقة التي عانتها الولايات المتحدة كانت تتمثل في العجز في الكهرباء، خاصة في ولاية كاليفورنيا، وأن أزمة الإمدادات النفطية في الولايات المتحدة العام الماضي كان سببها إعصاري كاترينا وريتا في خليج المكسيك، وأن أزمة الطاقة في أوروبا تتمثل في وقف صادرات الغاز الروسي. كما تناست أن مشكلة انخفاض صادرات النفط العراقي ترجع إلى الاحتلال الأمريكي لإحدى أغنى الدول بالنفط في العالم.
اعتمدت الوكالة في توقعاتها على موظفيها وعلى عشرات الاستشاريين الأمريكيين والأوروبيين، وهو أمر شائع في هذا النوع من التقارير، ومفيد إذا تم بالشكل الصحيح, إلا أن المشرفين على التقرير فشلوا في التنسيق بين مشاركات هؤلاء الاستشاريين، فبدت الآراء والبيانات، حتى اللغة، متناقضة ومتنافرة بشكل صارخ. كما يوضح العديد من المقاطع بأنها مجرد آراء، وليست تحليلات مبنية على أسس علمية، خاصة أن الوكالة لم توفر دليلاً واحداً على صحة هذه الآراء. ففي الجزء المخصص للتجارة العالمية في النفط لا نجد تحليلات متخصصة, كما يتوقع البعض من منظمة دولية مرموقة مثل وكالة الطاقة الدولية، وإنما نجد مشاركة عقيمة تصلح كرأي ينشر في صحيفة يومية اشتهرت بتحيزها ضد العرب. فمحور الجزء المخصص للتجارة العالمية في النفط يتركز حول رأي مفاده أن صادرات النفط من الشرق الأوسط، خاصة من مضيق هرمز، ستزيد مع الزمن، علما أن تقرير الوكالة، أوضح، وبشكل غير مسبوق، أن مضيق هرمز "يقع على فم بحر العرب"! تركيز الصادرات النفطية بهذا الشكل سيؤدي، حسب رأي التقرير، إلى زيادة مخاطر انقطاع الإمدادات، خاصة إذا تم إغلاق مضيق هرمز. عند قراءة مقطع كهذا قد يظن القارئ أن التقرير يشير إلى احتمال قيام إيران بإغلاق المضيق، ولكن التقرير نفسه يشير إلى "القرصنة، والعمليات الإرهابية، والحوادث"!
لم توفر وكالة الطاقة الدولية على الإطلاق أي بيانات أو أدلة على "القرصنة، والعمليات الإرهابية، والحوادث"، أو حتى كيف يمكن لأي واحدة منها أن تغلق المضيق. إن من يقرأ ما كتبته الوكالة يظن أن مضيق هرمز هو عبارة عن قناة عرضها بضع أمتار تكاد السفن لا تمر فيها. يبدو أن كاتب هذا الجزء من التقرير يجهل أن المسافة بين ضفتي المضيق في أضيق مكان تبلغ أكثر من 33 كيلو مترا، أوسع من قناة السويس بنحو مائة مرة! ولا أحد يدري حتى الآن لماذا ذكرت الوكالة موضوع "القرصنة"، وما علاقته بمضيق هرمز؟ ولماذا قدمت القرصنة على "الهجمات الإرهابية"؟ وما الأدلة التي استندت إليها الوكالة لكتابة عبارة كهذه في تقرير دولي مهم كهذا؟ هذه الكتابات تجعلنا نتساءل حول مدى حرفية ومهنية كاتبي هذا التقرير.
لا جديد في التقرير .. وأخطاء في البيانات، فقدت توقعات الطاقة الدولية أهميتها الاستراتيجية لأن كثيراً من البيانات المنشورة نشرت من قبل في صحف ومجلات عديدة. فبيانات الاحتياطيات النفطية منقولة من مجلة Oil and Gas Journal الأمريكية التي نشرت هذه التوقعات منذ نحو عام. والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا السياق هو: لماذا اختارت الوكالة تبني بيانات مجلة النفط والغاز وتجاهلت تقديرات هيئات أخرى، خاصة تقديرات مجلة World Oil؟ هل السبب يكمن في أن التقديرات التي اختارتها الوكالة تضيف احتياطيات كندا من الرمال النفطية، وهو أمر ترفضه الهيئات الأخرى؟ مهما كان السبب فإن إصرار الوكالة على تبني بيانات جهة معينة يبين مدى تحيزها.
هناك أخطاء عديدة في البيانات أبرزها البيانات المتعلقة بالغاز المسيل. فبيانات الصادرات لعام 2004 تبلغ نصف ما يتفق عليه الخبراء، والذي ذكرته شركة النفط البريطانية في تقريرها السنوي. وبما أن أغلب البيانات سنوية، فإنها لا تعكس حقيقة التغيرات التي تحدث في أسواق الطاقة على مدار السنة. (يتبع في الحلقة المقبلة)

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي