رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


درس سوق المال

منذ قرابة ثلاثة أعوام هرول الكثيرون إلى الاستثمار في سوق الأسهم. كانت الشهية مفتوحة على مداها لوضع المزيد من المال ودخول المزيد من الزبائن. كان حجم الزهو مبهورا ومسحورا في اكتشاف مجال استثماري جديد لا يكلف سوى شراء الأسهم والبيع ثم الشراء والبيع من جديد فالمكاسب كانت مضمونة ميسورة.
كان هذا الاتجاه شاملا مسيطرا رغم تحذيرات بعض الاقتصاديين والمختصين والطلب إلى الناس الاتجاه إلى الاستثمارات المجدية والمأمونة لهم، من ناحية وللوطن كذلك .. وكم رفع أولئك أصواتهم وكتبوا مقالاتهم وخرجوا على الناس من الفضائيات يسألونهم الروية والهدوء والحذر من وضع كل البيض في سلة واحدة .. لكن ذهبت كل تلك الصرخات وكأنها في واد.
بعد شباط ( فبراير) وانهيار السوق ومحاولة عدم تصديق ما جرى ويجري، سارع الكثيرون .. متعاملون/ محللون، مختصون ومن له معرفة وعلم ومن له نصيب فقط من الانطباع أو إعادة إنتاج الاشاعات، سارع الجميع إلى قول كل ما يمكن قوله من أسباب موضوعية وغير موضوعية عن الانهيار، معلقين عليها الذنوب جملة وتفصيلاً .. طالت التهم والملامات ما لا يخطر على قلب بشر، غير أن النزوع كان واضحاً وشاملاً لإبراء ذواتنا من دورنا نحن في تحمل مسؤولية خسارتنا أموالنا.
كانت السوق عظيمة ومدهشة، كنا نكسب دون أدنى تعب ثم أصبحت شيطانا رجيماً نقابلها فقط بالرجم ولا غير.
هذا السلوك الجماعي في كيل المديح ثم كيل الهجاء يفسر قدراً معينا من اللا واقعية مع الاستثمار في سوق المال، لأننا فيما يبدو كنا نشترط فيها المكاسب والربح الوفير، أما الخسائر فلا .. وهذا يخالف تماماً طبيعة أسواق العالم كلها، فالانهيارات حدثت في "ناسداك"، "نيويورك"، "نيكي" وغيرها من أسواق أوروبا والشرق .. ومع ذلك كان الناس هناك يعيدون الانهيار لأسباب اقتصادية موضوعية ويخرجون الإدارة والعاملين فيها من المسؤولية، أو قد يحملونها قدراً لا مبالغة فيه من سوء التصرف أو عدم التوفيق .. أما نحن فقد أجهزنا على كل العناصر البشرية والفنية والمؤسسية ذات العلاقة بالسوق وغير ذات العلاقة وحملناها الأوزار كلها, إلا أننا نأينا بأنفسنا عن أن نحملها نصيبها من القرارات الخاطئة ونصيبنا من عدم الدراية بآليات البورصات والاحتمالات الفجائية غير السارة أحياناً التي قد تكون خارج السيطرة!!
نعم .. كل الأسواق المالية لديها ثغراتها ونقائصها ومشكلاتها ومنها سوقنا المحلية .. لكن الثغرات والنقائص والمشكلات ما كانت بخافية ولا هي غير معروفة، بل كانت مطروحة للنقاش والحوار والأخذ والرد .. في الصحف وفي الفضائيات وفي المجالس أيضاً، إلا أن ما حدث لنا أو لمعظمنا في سوق الأسهم من تفجع ومرارة، عكس في الواقع مزاجنا الاجتماعي وثقافتنا العامة ودورهما في تشكيل سلوكنا من فعل أو رد فعل. وبغض النظر أو فتحه عن مدى مسؤولية هيئة سوق المال وغيرها من الجهات ذات العلاقة فقد بدا واضحا أننا كنا ميالين إلى سد آذاننا وعدم تصديق أو تأمل ما كان يقال وما يطرح من آراء .. ولو كنا فعلنا، لما تدافعنا زرافات ووحدانا لقذف نقودنا يوماً بعد يوم، رغم كل المؤشرات السلبية مصرين على جر الفيل من ذيله!!
من هنا ينبغي أن نكف عن إلقاء سلبيات خياراتنا وقراراتنا على أكتاف الآخرين .. وأن نكف عن البحث عن شماعات غير شماعاتنا، فما حدث في سوقنا المالية ليس شذوذاً عن سياقات أسواق العالم، فعلى الداخل إليها أن يتحمل ما يقابله فيها، فلا يلقي بالعاثر من الحظ على كتف السوق ولا هو يعتد بنفسه إن كان الحظ جيداً.
إنه درس باهظ الثمن ألقته علينا سوقنا على مضض منا.. فهل نعي هذا الدرس؟!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي