العيد الضيف العزيز .. كيف نضحي فيه؟

العيد الضيف العزيز .. كيف نضحي فيه؟

إن العيد مظهرٌ من مظاهر الدين، وشعيرة من شعائره العظيمة، حيث تتجلى فيه مظاهر العبودية لله، وتظهر فيه معان اجتماعية، وإنسانية، ونفسية، فالجميع يلبي نداء صلاة العيد، الرجال والنساء والصغار والكبار بقلوب متآلفة، ووجوه مبتسمة.
إنه العيد جاء ضيفاً عــزيزاً *** فاكتبوا بالمداد فيض التهـاني
- كيف نبدأ عيدنا؟
نبدأ عيدنا بالاغتسال والتجمل والتطيب ثم الانطلاق لأداء الصلاة مصطحبين معنا أهلينا وأبناءنا ليصلوا مع المسلمين ويشهدوا بركة الدعاء ويشاركوا المسلمين الفرحة واستماع الخطبة.
ويسن في العيد مخلفة الطريق بعد الصلاة فيذهب من طريق ويرجع من آخر لما رواه البخاري (986) عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: (كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا كَانَ يَوْمُ عِيدٍ خَالَفَ الطَّرِيقَ).
وقيل في الحكمة من ذلك حتى يَشْهَد لَهُ الطَّرِيقَانِ، وَقِيلَ: لِيَشْهَد لَهُ سُكَّانهمَا مِنْ الْجِنّ وَالإِنْس، أو لأَنَّ الْمَلائِكَة تَقِف فِي الطُّرُقَات فَأَرَادَ أَنْ يَشْهَد لَهُ فَرِيقَانِ مِنْهُمْ . وَقِيلَ: لإِظْهَارِ شِعَائر الإِسْلام فِيهِمَا، وَإظْهَارِ ذِكْر اللَّه.
(انتهى من كلام الحافظ ابن حجر باختصار).
وأما عن التهنئة بالعيد فقد ورد عن الصحابة رضي الله عنهم أنهم كان يهنئون بعضهم بعضاً بالعيد بقولهم: تقبل الله منا ومنكم. فعن جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ قَالَ: كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا اِلْتَقَوْا يَوْمَ الْعِيدِ يَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: تَقَبَّلَ اللَّهُ مِنَّا وَمِنْك . قال الحافظ: إسناده حسن.
وقَالَ الإمام أَحْمَدُ رحمه الله: وَلا بَأْسَ أَنْ يَقُولَ الرَّجُل لِلرَّجُلِ يَوْمَ الْعِيدِ: تَقَبَّلَ اللَّهُ مِنَّا وَمِنْك . نقله ابن قدامة في "المغني".
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "التهنئة بالعيد جائزة، وليس لها تهنئة مخصوصة، بل ما اعتاده الناس فهو جائز ما لم يكن إثماً" اهـ.
ومن مظاهر العيد صلة الأرحام، والتي لها شأن عظيم في الإسلام، ولعظمها فقد ربطها الله سبحانه وتعالى بتقواه، حيث يقول الله عز وجل: (وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ)، قال المفسرون في قوله تعالى:
(والأرحام): اتقوا الأرحام أن تقطعوها.
وقَطعُ الأرحام يُعدّ من كبائر الذنوب، وذلك لورود الوعيد الشديد فيه، فعَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَاطِعُ رَحِمٍ) متفق عليه.
كما ينبغي علينا في العيد ألا ننسى الأيتام، الذين لا يجدون في تلك الصبيحة حنان الأب، وهم يشاهدون بأعينهم الأطفال من حولهم يخرجون ويتنزهون مع آبائهم في أجمل ثيابهم .. فيشعرون بمرارة اليتم أكثر من أي يوم آخر .
فلنحسن إلى هؤلاء الأيتام ولا ننساهم في هذا اليوم، فالإحسان إلى اليتيم مقترن بعبودية الله جل وعلا، قال تعالى: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ ...) النساء:36.
ويحرم صوم يوم العيد لحديث أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ صِيَامِ يَوْمَيْنِ يَوْمِ الْفِطْرِ وَيَوْمِ النَّحْرِ . " رواه مسلم (827).
كما ينبغي الحذر من مشاركة الكفار أعيادهم، لأن عيد النصارى في هذا العام سيكون في وقت عيدنا، فلنحذر من ذلك لأن التهنئة والمشاركة في عيد المسلمين وعيد الكفار معاً هو خلط للحق بالباطل، لأن العيد قضية دينية عقدية وليست عادات دنيوية كما دل عليه حديث: " لكل قوم عيد و هذا عيدنا "، فأعياد النصارى من دينهم، وتعظيم المسلمين لأعياد الكفّار بإظهار الفرح والسرور وتقديم الهدايا هو من التشبُّه بهم وموالاتهم، وقد قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ) رواه أبو داود وصححه الألباني.
وقال تعالى: (وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ ...) (الفرقان: 72) ذكر بعض المفسرين أن المقصود بها أعياد المشركين، فلا يجوز بعد ذلك إهداء أحدهم بطاقات الأعياد أو بيعها عليهم وجميع لوازم أعيادهم من الأنوار والأشجار والمأكولات.
قال ابن القيم رحمه الله: "ولا يجوز للمسلمين حضور أعياد المشركين باتفاق أهل العلم الذين هم أهله، وقد صرح به الفقهاء من أتباع المذاهب الأربعة في كتبهم ..." وشتان بين مَن عيده توحيد الله وذكره، ومن عيده الكفر والفسق والعصيان.
هذا والله أعلم، وصلى اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

الأكثر قراءة