رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


رسائل شتوية دافئة

الرسالة الأولى
جلست متدثرة بوشاحها الصوفي الثقيل الذي يحتضن جسدها النحيل وبأصابع لم يستطع خضاب الحناء أن يخفي رسوم تجاعيد الزمن القاسية عليها، كانت تسكب القهوة لزوجها الشيخ الوقور الذي يحرّك ببطء حبات مسبحته الفضية، كان الصمت يحيط بهما إلا من صوت القهوة وهي تُسكَب في الفنجان.. صقيعٌ وإحساسٌ بالوحدة وكآبة ساعات شتوية طويلة تجر عقارب دقائقها جراً، وشلال ذكريات بدأ يتدفق بين جدران نفسيهما ويرحل بهما نحو تساؤلات تثير لوعة الأسى بخاطريهما، كان السؤال نفسه يتردّد بداخل كل منهما، وكان السبب نفسه يجعل كل واحد منهما لا يطرحه على الآخر، خشية حرث جذور وجع قد تسبّب الشجن للآخر، "لماذا لم يأت لزيارتنا؟" كان كل ما حولهما يشير إلى ليلة شتوية طويلة باردة لا روح فيها، وفجأة دق جرس المنزل ولكأنما هو يدق في قلبيهما، قامت بصعوبة بالغة وصوت "طقطقة" ركبتها يثير شفقة زوجها عليها، فتحت الباب فوجدت ابنها أمامها احتضنها وطبع قبلة على جبينها الطاهر ويدها الدافئة ثم دلف من الباب وقبّل رأس والده الذي تهللت أساريره لرؤيته كأنه طفلٌ صغيرٌ رأى قطعة حلوى، كانت نظرات الندم على تأخره عليهما تسابق حروفه "أمي، أبي، اعذراني على تأخري عليكما، واقبلا دعوتي لكما على العشاء في مطعم سيعجبكما"، وكطفلين ينتظران باب مدرستهما أن يُفتح هرع كل منهما إلى دولاب ملابسه فارتدى أجمل ثيابه وتعطر بأروع عطوره. وخلال دقائق وقفا أمامه وفراشات السرور الملونة تحلق فوق رأسيهما وبلابل الانشراح تغرّد بين نفسيهما ... فهل جرّبتم يوماً أن تدعو والديكم وحدهما على العشاء؟!
الرسالة الثانية
أطفأت أنوار غرفة أبنائها بعد أن خلدوا للنوم، ذهبت لغرفتها وقفت أمام مرآتها.. تأملت وجهها الشاحب الذي تبدو آثار نهاية اليوم المتعب واضحة فوق تقاسيمه الجميلة، وعلى غير عادتها.. امتدت أصابعها إلى مكحلتها زيّنت عينيها، خطت حاجبيها، ورسمت حدود شفتيها، شيءٌ من الحنين عصف بها حين رأت جمالها يصحو من مرقده، وتساءلت لماذا يتجاهلني رغم عشقي الكبير له، وصبري على غيابه الطويل، وتحمُّلي عصبيته الزائدة، ألا يدرك ان للأنثى قلباً حين يُكسَر فإنها تتحوّل إلى تمثال أسمنتي بارد لا تؤثر فيه زخات المطر فيما بعد؟ صوت صرير الباب انتشلها من أفكارها، ولأنه أخبرها أن تجهز له عشاءه كل ليلة وأن تذهب لتنام لأنه يرغب في الجلوس وحده أمام التلفاز، فإنها كانت على وشك مسح زينتها قبل أن تسمعه يقترب قائلاً "أنا آسف أخطأت بحقك كثيراً لم أكن أدرك قبل اليوم قيمتك إلا حين خذلني من تركتك لأجلهم" ومدّ لها باقة أزهار جميلة وفي أعلاها بطاقة صغيرة كتب فيها "لنبدأ من جديد فحياتي من دونك لا قيمة لها". فهل جرّبتم يوماً أن تهدوا زوجاتكم قلوبكم؟
الرسالة الثالثة
صفق الحضور لها كثيراً بعد لقائها التلفزيوني وأشادوا بإنجازاتها، وفي طريق عودتها رن هاتفها الجوّال ليأتيها صوت الخادمة مرتجفاً "مدام ولد إنتي تعبان كتير". في المستشفى عنّف الدكتور إهمالها طفلها فالزائدة الدودية انفجرت وتسبّبت في إدخاله العناية، بكت ندماً حين تذكرت أن صغيرها كان يتألم حين خرجت للقائها التلفزيوني. فهل تراها أدركت أن نجاح أمومتها هو أعظم نجاح لها؟

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي