وزارة الصحة ماذا بعد الستين يوما؟
لا أود أن أميل مع الآراء التي قالت إن وزارة الصحة تجنت على المستشفى الخاص المغلق في مدينة جدة، لأي سبب من الأسباب، ولكن أؤيد الفكرة التي تتساءل عن دور الوزارة في تلافي حالات الأخطاء الطبية قبل وقوعها، خاصة إذا عرفنا أن مستوى الأخطاء الطبية في ارتفاع والذي شكل زيادة بما نسبته مائة في المائة على العام الفائت حسب ما أوردته "الاقتصادية" في عددها 6738. وكانت الأخطاء الطبية المرصودة قد شكلت نسبة مرتفعة وفقا للخبر نفسه، ففي 86 حالة وفاة رصدها تقرير الهيئة الصحية الشرعية في مدينة جدة بين العامين 1428-1432 يوجد 52 حالة وفاة مدانة بسبب خطأ طبي في مدينة واحدة.
ما يثير الدهشة أن وزارة الصحة على علم بأن ما يقارب 400 طبيب مقيم يمارسون مهنة الطب وهم لا يحملون رخصا طبية أو تراخيص مزاولة المهنة في المستشفيات الواقعة في المنطقة الغربية وفقا لصحيفة "الوطن" في 22 نوفمبر 2012. هذا يعني أن الوزارة تتواطأ مع هذه المستشفيات التي تقدم خدماتها الطبية غير الآمنة للمواطنين والمقيمين.
حالة وجود الأخطاء الطبية أو ضعف الخدمات المقدمة، لا يمكن أن نطلقها على مجمل الخدمات الطبية المقدمة من القطاع الخاص، ولكن الجهات التابعة لوزارة الصحة تعاني أيضا ضعفا في مستوى الخدمة، وأحيانا عجزا في الإمكانات لتوفير متطلبات الحد الأدنى من الرعاية المقبولة.
وزارة الصحة مثلها مثل كثير من الجهات الرسمية لدينا مطالبة بالتشريع أو إصدار اللوائح، وتقديم الخدمات والمراقبة على الجودة وإيقاع العقوبة على المخالفين. هذه المسؤوليات تخلق تضاربا في بوصلة الإدارة، ما يفقد المؤسسة تركيزها على مجال واحد في زمن ينادى فيه بالتخصص.
الأمر الآخر الذي يثير الغرابة هو تعامل هيئة حقوق الإنسان السعودية مع قرار وزارة الصحة بإغلاق المستشفى صاحب الأخطاء المتكررة والقاتلة. حيث أشار تقرير صادر عن الهيئة وعلى لسان أحد مستشاريها بأن القرار متسرع وعاطفي، ويتناقض مع مبدأ التدرج في العقوبات المفترض اتباعه في هذه الحالة من الأخطاء (الاقتصادية، 6980). وكأن الهيئة لا تعرف عن مستوى الأخطاء الطبية التي تقع على متلقي الخدمة من المواطنين والمقيمين، أو أن هذه الأخطاء لا تثير الحد الذي يشكل خطرا على الصحة العامة. كان الأجدر بهيئة حقوق الإنسان أن تتساءل ماذا بعد الستين يوما؟ هل سيتغير شيء بعد هذا القرار لمصلحة الوطن، أم أن هذه المستوصفات والمستشفيات ستستمر في المتاجرة بأرواح الأبرياء، والتكسب على حساب حاجة الناس.
الحل يبدأ دائما من معرفة المشكلة، وأعتقد أنه أصبح من المطلوب إيجاد هيئة للاعتماد الصحي مستقلة تماما عن خدمات وزارة الصحة تقوم بفرض التنظيمات والإجراءات المطبقة عالميا على قطاعات الخدمات الصحية، والقيام بالرقابة على سلامة التطبيق، ومتابعة الإخفاقات التي تحدث من مستشفيات ومستوصفات القطاع الخاص، والقطاع الحكومي. ومنح وزارة الصحة الفرصة لتحسين خدماتها المقدمة من خلال التركيز على توفير الخدمة الطبية فقط.