متى ندافع عن النفط؟
إن الحملات المنظمة التي يشنها الغرب ضد النفط منذ سنوات، وبالذات ضد نفط دول الشرق الأوسط بدأت – مع الأسف الشديد -تعطي ثمارها، فمنذ عام 2008 استطاعت الدول الغربية أن تخفض استهلاكها من البترول بمعدل مليوني برميل في اليوم، وينتظر أن يزداد انخفاض استهلاك النفط سنوياً في الأسواق العالمية، وبالذات أسواق الدول الغربية بمعدلات تخيفنا وتفزعنا فعلاً.
أيضاً فإن الدول التي كانت تفكر في إلغاء مشاريع الطاقة النووية كألمانيا واليابان عادت مرة أخرى إلى الطاقة النووية كمصدر من مصادر الطاقة وبالذات في إنتاج الماء والكهرباء، كذلك تسجل الطاقة الشمسية تقدماً ملحوظاً في استخدامات الدول المتقدمة التي لم تعد تخفي رغبتها في الإجهاز على النفط كمصدر رئيس للطاقة.
ومن ناحيتها، فإن المنظمات المعنية بالبيئة، وهي منظمات غربية بالطبع، درجت على تحميل البترول مسؤولية تلويث البيئة ومسؤولية الاحتباس الحراري وتلويث أجواء كوكب الأرض بالغازات السامة.
وإذا كانت الدول الغربية تحقق الكثير من النجاحات في حملاتها الشرسة ضد النفط، وبالذات نفط الشرق الأوسط، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو: لماذا ظلت الدول النفطية لا تحرك ساكناً وكأن الأمر لا يعنيها رغم أن الحملة تستهدف مورداً من مواردنا الاستراتيجية؟ أقول مرة أخرى: لماذا لم تقم الدول النفطية بالدفاع عن النفط كسلعة استراتيجية، ولا سيما أن الغرب في حملته الشرسة ضد النفط قد حمّل النفط ما لا يحتمل من التبعات والمآخذ.
إن مراكز الأبحاث في الشرق الأوسط مطالبة الآن أكثر من أي وقت مضى بنشر الدراسات التي تحرر النفط من كثير من التحميل الباطل الذي ألحق به، وتوضح أهمية النفط من حيث المرونة في الأسعار، ومن حيث الوفرة المتاحة في كل الأوقات.
إن وصول الغرب إلى حدود البترول وتهديده سلعة من أهم السلع الاستراتيجية يستدعي من الدول المنتجة أن تحشد كل قواها للدفاع عن النفط من التهديد الحقيقي الذي بات يتهدد اقتصاداتنا الوطنية.
الحقيقة أننا تأخرنا كثيراً في الدفاع عن النفط، وكان يجب أن نبادر منذ زمن طويل بالدفاع عن النفط من الهجوم المنظم الذي درج الغرب على شنه ــ بحق وبغير وجه حق ــ ضد النفط حتى أصبح النفط عند دول كثيرة في العالم سلعة غير مرغوب فيها لأنها تلحق أضراراً بالغة بالوجود الإنساني على كوكب الأرض.
وأحسب أن كل واحد منا ما زال يحتفظ في مكتبته المنزلية بنسخة من مجلد خطة التنمية الخمسية الأولى التى صدرت عام 1970، التي تصدرت صفحاتها الأولى أهداف الخطة الرئيسة، وكان في مقدمة الأهداف "ضرورة تنويع مصادر الدخل وعدم الاعتماد على البترول كمورد وحيد"، أي أن خطة التنمية الأولى كانت تتوقع موقفاً كهذا وكانت تحذر من مواقف مستقبلية رافضة للبترول.
ومع الأسف - ظللنا غائبين عن قراءة هذا الهدف لنصف قرن حتى نهاية الخطة الخمسية التاسعة وما زالت إيرادات البترول تشكل أكثر من 80 في المائة من إيرادات ميزانية الدولة.
نحن الآن أمام خيارين أحلاهما مر، الخيار الأول الدفاع عن البترول بكل قوانا وعلى كل الأصعدة الاقتصادية والسياسية، والآخر تفعيل مشاريعنا وبرامجنا الهادفة إلى تكوين مجتمع المعرفة.
ويجب أن ندرك أن مجتمع المعرفة ليس المجتمع الصناعي المعني بإنتاج السلع وتسويقها، إنما هو المجتمع المنتج للمعرفة والساعي إلى توظيفها ونشرها وتوزيعها من أجل بناء ثروة بشرية مبدعة.
والإنسان في مجتمع المعرفة يبدو فاعلا نهماً إلى التعليم والثقافة، ومؤسسات المجتمع تسهر على زيادة الإنتاج وتفعيل آليات التفكير والتجديد والابتكار.
إن مجتمع المعرفة مجتمع الثورة الرقمية الذي تحتل فيه المعلومة والمعرفة مكانة متقدمة تقترن بالمزيد من الفتوحات العلمية والإبداعية.
إن الوصول إلى مجتمع المعرفة هو البديل الأمثل، وأمامنا دول كثيرة تقدمت في تنفيذ برامجها الرامية إلى تكوين مجتمع المعرفة حتى استطاعت أن تغادر مواقعها المتخلفة إلى مواقع أمامية متقدمة تؤكد من خلالها أن موارد الثروة انتقلت من السلع التقليدية إلى مجتمع المعرفة الذي يرتقي بالدول والمجتمعات إلى المستويات الأعلى.
وإذا استعرضنا المجتمع الدولي في الوقت الراهن نستطيع بكل بساطة أن نفرز الكثير من المجتمعات التي بلغت فيها تقنية المعلومات شأواً كبيراً، فلا نستطيع ــ على سبيل المثال ــ أن ننكر أن كوريا الجنوبية تتمتع بمجتمع معرفي وضعها جنباً إلى جنب في سباق مع الدول العظمى، ولا نستطيع أن ننكر أن الصين وتركيا وماليزيا والهند والبرازيل بلغ عندها المجتمع المعرفي مستويات فتحت أمامها آفاق المستقبل العريض الذي يضعها في المقدمة مع الدول التي بلغت مستويات عالية من التقدم والنضج.
وأخيراً إذا كان الغرب يشكو من ارتفاع أسعار البترول، فإن المضاربة المفتعلة هي السبب في الزيادة، لذلك فإن الدول المنتجة كما الدول المستهلكة تتضرر من المبالغة في ارتفاع أسعار البترول.