اهتمام المملكة بذوي الحاجات الخاصة

من الواضح أننا مقدمون على عام مليء بالإنجازات -بإذن الله- نتيجة ما تم ضخه من أموال في كل مجال ولكل قطاع. هذا طبعا إذا ما حافظنا على وتيرة العمل الحالية وكسوناها بشيء من السرعة والتطوير والدقة في تنفيذ ما تم التخطيط له. بعد متابعة ما بدا يطفو على السطح من حراك كبير خلال هذا العام وقبل أن ينقضي، حيث نقلت وسائل الإعلام القفزات النوعية في الجهاز القضائي وغيره من الأجهزة. لاحظت أن مركز "الأمير سلمان لأبحاث الإعاقة" أيضا تتصاعد فيه وتيرة العمل بشكل سريع أخيرا، مع أن أعماله منذ تأسيسه اتسمت بالتطبيق بالأسلوب المنهجي لحد كبير، والتعامل مع قضايا ذوي الحاجات الخاصة بكل جدية. من خلال النشرات والموقع الإلكتروني وبعض الزيارات الميدانية تتبعت أخبار المركز وبالتحديد سعيه الشامل في تعميم مفهوم "الوصول الشامل" لذوي الحاجات الخاصة الذي بدأه قبل سنوات حسبما أشير إليه في محافل عدة وتم توثيقه. إن سعي المركز الحثيث لإيجاد أدلة إرشادية تكون لبنة في بناء نظام أو قانون وطني متكامل بفصوله المتعددة ومواد وفقرات تكفل وصول ذوي الحاجات الخاصة لجميع المواقع العامة والرسمية، وتحمي حقوقهم وتحافظ عليها وتمكنهم من العيش بكرامة، لهو سعي للرقي بمجتمع المملكة كله إلى أسمى المستويات. وبالرغم من أن المشروع استغرق بعض الوقت، ليظهر على السطح في هيئة أدلة استرشادية وأسس ومعايير وقياسات عالمية، إلا أنه ليس بمتأخر أو فات وقته. فحري بالجميع الالتفاف حول هذا النشاط ودعمه لصالح هذه الفئة العزيزة على أنفسنا وقلوبنا ولا تطلب منا سوى تقديرها واعتبارها شريكا في هذا المجتمع.
حسب دراسة مجموعة دونوفان المنشورة في آذار (مارس) 2012 أصبح تعداد المعوقين في العالم 1.1 مليار نسمة منهم 692 مليون نسمة في آسيا فقط. هذا بالطبع يعني أن 40 في المائة من هذا الرقم يضاف له كأهالي وعائلات وأصدقاء يعانون معهم المعاناة نفسها تقريبا، وهذا حجم عمل لا يمكن تصوره وتكاليف مالية قد لا يمكن حصرها بسهولة. فإذا ما حاولنا تسليط الضوء على هذا الحجم من العمل والتكاليف أيضا على مستوى السعودية، وكم هو مؤثر في سهولة ومرونة الحركة فإننا حتما سنجعل بتعاون 460 مدرسة ومركزا ومؤسسة وجمعية متخصصة (مسجلة) في تقديم خدماتها بجميع الأنواع والمستويات، هذه الأرض الطيبة أفضل بيئة مهيأة لذوي الحاجات الخاصة. وسيكون المركز مرجعا لا غنى عنه في هذه المرحلة وكل المراحل المستقبلية.
إن الدور الذي يلعبه المركز ليس بالذي نمر عليه مرور الكرام. فعلى صعيد السياسات والإجراءات هناك معايير فنية كتبت وتم قولبتها لتتناسب والوضع المحلي تماما. وهناك إجراءات صيغت للمتابعة والمراقبة وتمهيدا جيدا للتطوير والتحسين. إضافة إلى ذلك فالتعريب سيزيد من المخزون اللغوي العربي، ويجعل مثل هذه القوانين مراجع شاملة متاحة بلغتنا الجميلة. أما من الناحية الحقوقية والقانونية فالأدلة الإرشادية مع التحديث ستكون تفاصيل لا يستغني عنها صانع القرار ومنفذه لحماية الحقوق وصيانتها. أما خدميا فتصميم البوابات والتعاون مع الجهات المقدمة للخدمات الطبية لتوفير أنواع من العلاج المتخصص، أو توفير خدمات طبية للمعوقين فهي مبادرات تدل على توسع مهام المركز بشكل يشكر عليه فعلا. ليس هذا فقط، فببرنامج المسح الوطني لأمراض التمثيل الغذائي والغدد الصماء عند حديثي الولادة سيؤسس مع وزارة الصحة قاعدة معلومات صحية ستساهم في وضع خريطة يستفاد منها في التخطيط الاستراتيجي الصحي للمملكة. وعلى صعيد الأبحاث العلمية وأثرها التطويري نظاميا وخدميا ونشرها، فهناك حراك حيوي كبير في تحديد الأساس الجيني للصمم الوراثي لدى سكان المملكة. وهو برنامج من البرامج التي قلما تتوافر في دول العالم. عمل مثل هذا لا شك سيجعل المنظمات العالمية تستشهد بالمملكة من ضمن أكثر دول العالم إنجازا للمشاريع الوطنية المتعلقة بذوي الحاجات الخاصة.
هذه الأنشطة الصحية المتخصصة من شأنها أن تمنع حدوث الكثير من الإعاقات أو التخفيف من آثارها وعلاجها. ولكن ما يخشى منه أن تكون الوتيرة التي يعمل بها المركز أسرع وأكثر إتقانا مما يمكن أن تبادله بها الشركاء من الجهات التنفيذية في هذا المجال، فيضطر للدخول في تنفيذ بعض الأنشطة مهنيا أو فنيا فيقع فيما كان يسعى لتفاديه من قبل. إن ما ينادي به المركز من تقليص الازدواجية في الخدمات التي تقدمها الجمعيات والجهات التنفيذية، وتشجيع القطاع الخاص على دعم القضية فيه الكثير من الإقدام، ولكنه كان محفوفا بكثير من المجازفة والمخاطرة لإمكانية تغير واختلاف مقاعد الأدوار والمهام التنفيذية. لذلك خروج الأدلة وتوثيقها في النظام الذي صدر في 1421هـ سيكلل الجهود بالنجاح وسيحظى المركز بكل الشكر والتقدير لهمته العالية، وسيحدد مهام الجهات المختلفة لتقوم بها بتكامل ناجح بإذن الله.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي