المطلوب صرف النظر عن العملة الموحدة لا تأجيلها
لم يفاجئني قول الرئيس التنفيذي للمصرف المركزي العماني إنه كتب إلى أمانة مجلس التعاون الخليجي أن الوحدة النقدية في المنطقة قد يتعذر تحقيقها بعد ثلاثة أعوام، فقد كتبت في هذه الجريدة قبل فترة مقالا حول عدم جدوى مثل هذه الخطوة التكاملية بين دول المجلس، وأوضحت أن مخاطرها أكبر بكثير من مكاسبها وأنها لا تضيف شيئا يذكر لعملية التكامل الاقتصادي بين دول المجلس, إلا أن ما كان مفاجئا ومستغرباً فعلا هو قول السيد الزدجالي إن بعض محافظي البنوك المركزية الأخرى في دول المجلس يشاركون أيضا عُمان القلق إزاء الجدول الزمني للوحدة النقدية.
لذا, فالسؤال الذي يفرض نفسه هو: كيف يكون رأي معظم محافظي البنوك المركزية في دول المجلس استحالة الالتزام بالجدول الزمني للوحدة النقدية ومع ذلك يتصرف الجميع كما لو أن كل شيء سيتم في موعده المقرر دون أدنى إشكال، ويتم تجاهل مناقشة القضايا الأساسية المتعلقة بهذه الخطوة، وبدلا من ذلك يكون الحديث عن اسم العملة الموحدة وفي أي دول المجلس سيكون مقر البنك المركزي الخليجي، رغم معرفتهم التامة بأن هذه الخطوة المفترض تمامها عام 2007 وأجلت إلى 2010 لا يمكن استكمال متطلباتها كافة في ثلاثة أعوام فقط, خاصة أن دول المجلس تعاني من عدم قدرتها على الوفاء بمتطلبات خطوات تمهيدية يلزم استكمالها تماما قبل الانتقال إلى مرحلة الوحدة النقدية، تتمثل هذه الخطوات في اكتمال قيام سوق مشتركة وقبله الاتفاق النهائي على قيام اتحاد جمركي كامل بين دول المجلس، وهذا أمر غير ممكن في ظل اتفاقيات التجارة الحرة المنفردة التي تهرول دول المجلس لتوقيعها مع دول العالم الأخرى دون أدنى اعتبار لكونها عضوة في اتحاد جمركي؟
الغريب أنه وعلى مدى ما يزيد على ثلاث سنوات عانت اقتصادات معظم دول المجلس من نمو هائل في معدلات السيولة المحلية تبعا لارتفاع أسعار النفط العالمية ما تسبب في ارتفاع مبالغ فيه في أسواقها المالية، وكان يمكن لهذه البنوك المركزية أن تلعب دورا محوريا في تفادي كل ذلك، وكان من المفترض أن تقوم هذه البنوك بالتنسيق فيما بينها لاتخاذ خطوات تمتص فائض السيولة في اقتصاداتها تفاديا لكارثة انهيار أسواقها المالية, إلا أنها في ما يبدو كانت مشغولة بالتحضير للعملة الموحدة، فكانت الاجتماعات تعقد على قدم وساق وعلى مختلف المستويات على مدار العام لبحث موضوع قد يكون معظم من له علاقة به يعلم يقينا أنه غير ذي جدوى ولا يمكن أن يتحقق من ورائه طائل، وأغفلت التنسيق في أمر لا يحتمل التأجيل, نتائجه كارثية على اقتصاداتها، كان من نتيجته فقاعة أسهم انفجرت في معظم دول المجلس بمستويات متفاوتة تبعا لمستوى المبالغة التي وصلت إليها أسواقها المالية.
والغريب أيضا أن هذه الأجهزة حتى عندما قررت المضي قدما في خطوة لا تملك أي فرصة حقيقية للتنفيذ، لم تكلف نفسها حتى عناء وضع أسس مناسبة للمساعدة في تحسين فرص نجاح هذه الخطوة، وكلما قامت به هو مجرد نقل حرفي للمعايير التي وافقت عليها دول الاتحاد الأوروبي، رغم أنه لا يخفى على من يملك أدنى حد من المعرفة الاقتصادية أن تلك المعايير لا تناسب دول المجلس إطلاقا وتنذر بفشل ذريع للعملة الموحدة لو تم إطلاقها فعلا وفقا لهذه المعايير. كما بدا واضحا تعمد تجاهل حقيقة أن الوحدة النقدية لا تحقق لدول المجلس الكثير مقارنة بما يتحقق من مجرد الاتفاق على مثبت مشترك لعملاتها كما هو قائم حاليا، فعند الحديث عن أبرز المكاسب الاقتصادية من هذه الخطوة يذكر مثلا أنه سيترتب عليها تسهيل اندماج الشركات الخليجية والاستحواذ عليها أو تشجيع المنافسة الإقليمية في مجال الخدمات المصرفية والمالية ونحو ذلك من الآثار الهامشية جدا، التي لا يمكن أن تبرر اتخاذ خطوة يكتنفها الكثير من المخاطر, أي أننا استمرأنا مجاملة بعضنا بعضا والتصرف كما لو أن كل شيء على ما يرام وانتظرنا من يعلق الجرس ويقول إن هذا أمر غير ممكن، لمجرد اعتقادنا أن تكاملنا الاقتصادي سيكون منقوصا ما لم نحاك تجربة الاتحاد الأوروبي بإطلاق عملة موحدة دون اعتبار للفروق الهائلة في الظروف الاقتصادية بين المجموعتين.
إن التظاهر أن كل شيء على ما يرام، وأن قيام وحدة نقدية بين دول المجلس أمر مؤكد وكلما هنالك هو مجرد تأجيل لا أكثر أمر غير مقبول على الإطلاق، وعلينا أن ندرك أن قيادات دول المجلس أحكم وأبعد نظرا من أن تقدم على اتخاذ خطوة مخاطرها الاقتصادية أكبر كثيرا من مكاسبها، وعلينا إنهاء هذا الجدل من خلال الإعلان أن مسيرة التكامل الاقتصادي بين دول المجلس ستكون مستكملة تماما بمجرد الاتفاق على قيام سوق مشتركة والالتزام بمثبت مشترك لعملاتنا المحلية، وهي ميزة حقيقية تمتاز بها دول المجلس على دول الاتحاد الأوروبي التي لم يكن أمامها في الواقع أي خيار آخر لاستكمال تكاملها الاقتصادي إلا توحيد عملتها.