رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


البحث عن (النمو) في طوكيو

احتضنت مدينة طوكيو في اليابان الأسبوع الماضي الاجتماعات السنوية لصندوق النقد والبنك الدوليين، التي تمثل أهم تجمع اقتصادي ومالي سنوي في العالم. فالاجتماعات تتيح الفرصة لكل من وزراء المالية ومحافظي البنوك المركزية في أكثر من 187 دولة في العالم الالتقاء تحت سقف واحد لمناقشة أهم القضايا التي تواجه الاقتصاد العالمي، والتنمية في العالم. كما تمثل هذه الاجتماعات فرصة أيضاً لرجال الأعمال ومسؤولي القطاعات المصرفية في العالم للمشاركة في هذا التجمع السنوي، والتحاور مع مسؤولي القرار الاقتصادي لتقريب وجهات النظر حول عديد من القضايا التي تتعلق بالاستقرار المالي العالمي.
الموضوع الرئيس الذي كان محور النقاش خلال هذه الاجتماعات هو النمو الاقتصادي العالمي، حيث راجع صندوق النقد الدولي تقديراته للنمو في ضوء التطورات الأخيرة، وعليه يتوقع أن ينمو الاقتصاد العالمي بمعدل 3.3 في المائة خلال هذا العام، وبمعدل 3.6 في المائة خلال عام 2013. وهذه التقديرات أقل مما كان متوقعاً في شهر نيسان (أبريل) الماضي، وذلك بسبب تفاقم الأزمة المالية في منطقة اليورو، وتزايد المخاوف من عدم التوصل إلى قرار بشأن تمديد العمل بقانون تخفيض الضرائب أو ما يطلق عليه Fiscal Cliff الذي يمكن أن يؤدي إلى تراجع كبير في النمو الاقتصادي في الولايات المتحدة الأمريكية. كما تفترض هذه التوقعات أن يتم التعامل مع هذه المشكلتين في كل من أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية بشكل حاسم، وإلا فإن النمو سيكون أقل مما هو مقدر حالياً.
لكن على الرغم من المخاطر الكبيرة المحدقة بالاقتصاد العالمي، والناتجة عن مشكلات منطقة اليورو وقضية المنحدر المالي في الولايات المتحدة الأمريكية، إلا أن الجو العام بين المسؤولين، خصوصاً في الدول المتقدمة، لم يوحِ بأي إحساس بتعاظم هذه المخاطر، وما قد تنتج عنها من آثار سلبية في العالم ككل. ويبدو أن انشغال المسؤولين في هذه الدول بالانتخابات، سواءً في الولايات المتحدة أو في ألمانيا، لم يشجعهم أبداً على لفت الانتباه إلى هذه المخاطر. في المقابل، كان صندوق النقد الدولي صريحاً في التحذير من ذلك، وفي دعوته الدول، خصوصاً في أوروبا، إلى التركيز على إيجاد مصادر للنمو الاقتصادي بدلاً من التركيز على عملية التقشف المالي للخروج من الأزمة الحالية.
أوروبا حالياً تعيش أخطر مراحل أزمتها المالية، وتعاني عدم القدرة على اتخاذ قرارات حاسمة في هذا الخصوص، وفي اختلاف على أولويات معالجة الأزمة أو التركيز على تحقيق الاستقرار المالي على المدى المتوسط والطويل. وهذا الأسبوع يلتقي قادة الاتحاد الأوروبي لمناقشة عدد من القضايا المهمة وعلى رأسها الأزمة في منطقة اليورو، وضرورة المضي قدماً في عملية التكامل الاقتصادي. تطرقت في مقال الأسبوع الماضي إلى بعض أوجه التكامل الاقتصادي التي على الأوروبيين اتخاذ قرار بشأنها لأجل معالجة أزمة منطقة اليورو، وعلى رأس ذلك تأسيس اتحاد مالي واتحاد مصرفي يتضمن إشرافاً مصرفياً موحداً. المشكلة أن هناك اختلافات على ترتيبات وتفاصيل هذا الاتحاد، وفي نفس الوقت هناك ضغط من الأسواق على أسعار الفائدة على السندات الخاصة بدول الأزمة، ما يزيد من الضغوط على موازناتها.
الخلاف داخل أروقة السياسة الأمريكية حيال التعامل مع عجز الموازنة، وفي سياسة الضرائب، وسقف الدين العام مشابه إلى حد ما للخلاف بين الأوروبيين حول التعامل مع أزمة منطقة اليورو. الساسة الأمريكيون أيضاً يستخدمون هذه القضايا المهمة التي تحدد مصير الاقتصاد العالمي ككل كوسيلة لكسب التأييد من قبل الناخب الأمريكي. بالطبع هذا لا يعني أنه لا يوجد خلاف مبادئ حول التعامل مع هذه القضايا. لكن النظر إلى ما قد يؤدي إليه هذا الخلاف من تأثير سلبي على الاقتصاد الأمريكي والاقتصاد العالمي ككل يجعل من الصعب إيجاد أي تفسير لهذا التخاذل في التعامل معها بشكل حاسم. فعلى سبيل المثال، فإن المضي قدماً في زيادة الضرائب وإلغاء العمل بالجوانب المالية الأخرى، سيؤدي إلى تأثير سلبي يقدر بما نسبته 4 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة الأمريكية، وهو يفند أي سبب يدعو إلى المضي قدماً في تنفيذ ذلك بالنظر إلى الوضع الاقتصادي العام.
الوضع في دول الاقتصادات الصاعدة لا يدعو إلى التفاؤل بشكل كبير، حيث إن هناك مخاوف كبيرة من تراجع كبير في النمو الاقتصادي في الصين، بينما حدث هذا التراجع في دول أخرى كالهند والبرازيل. أضف إلى ذلك، أن عمليات ضخ السيولة التي سيقوم بها كل من الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي والبنك المركزي الأوروبي للحد من آثار الأزمة ستترك آثاراً سلبية كبيرة في هذه الاقتصادات، حيث إن عليها التعامل مع تدفقات السيولة التي تبحث عن العائد المجزي في هذه الدول، وذلك في تكرار للسيناريو الذي حدث في عام 2010 و2011.
كل هذه القضايا كانت محاور للنقاش في أروقة الاجتماعات السنوية لصندوق النقد والبنك الدوليين لهذا العام، وبالتحديد في طوكيو التي استضافت الاجتماعات للمرة الثانية بعد 60 عاماً من عضويتها في المؤسستين الدوليتين. البحث عن النمو الاقتصادي كان الموضوع الرئيسي لهذه الاجتماعات كما أشرت، ومن المفارقات العجيبة أن ذلك يتم في دولة تعاني تباطؤ النمو الاقتصادي لعقدين من الزمن. ما تبقى الآن هو التحرك من قبل الساسة ومتخذي القرار في الدول المتقدمة لوضع حد لاستمرار هذه الأزمة التي ألقت بظلالها بشكل كبير على النمو الاقتصادي العالمي، وعلى حياة الملايين في العالم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي