مثقفون: سلامة اللغة ومتانة المحتوى أبرز ضحايا أعمدة اليوم

مثقفون: سلامة اللغة ومتانة المحتوى أبرز ضحايا أعمدة اليوم
مثقفون: سلامة اللغة ومتانة المحتوى أبرز ضحايا أعمدة اليوم

أجمع عدد من الكتاب أن الكتابة لدى الجيل الجديد تباينت عمن سبقهم من الأقلام السعودية من حيث المحتوى والقالب الشكلي الذي يتشكل عليه، ليظهر للقراء في أعمدة الصحف المحلية، محملين رؤساء التحرير في الصحف مسؤولية ضعف وسطحية الكتابات في بعضها وعدم السماح باندفاع الكتاب حسب آرائهم الفكرية في بعضها الآخر.

وانتقد هؤلاء بزوغ بعض الكتابات الهابطة في الفكرة والأسلوب في المشهد الثقافي التي لا تعبر مثل هذه الكتابات فيه عن الواقع المعيشي لأبناء المجتمع بشكل كاف، كونها تمثل لدى منتقديها مجرد سرد لأحاديث غير مهذبة لا ترتقي بمستوى النضج الفكري والوعي الوطني لدى القارئ، وإن كانت قد أثبتت سطحية وفراغ بعض الكتابات التي سبقتها لكتاب كانوا يعدون من الكبار.

وفي هذا الصدد، أفاد حامد عباس المستشار الإعلامي والكاتب الصحافي بأن الكتابة هي الكتابة بمعاييرها وضوابطها بغض النظر عن الأزمنة، لأن الفارق هو تطور الأساليب وتخليص اللغة من الحشو والديباجات، وأن الصحافة أخذت اتجاه مدرسة الإثارة وتركت المدرسة الموضوعية، طبقا لرغبة التوزيع والإعلانات، أو كما يقال: ''ما يريده الزبون'' ومن ثم افتقدت أهم عناصر الرسالة التنويرية وقيادة الرأي العام لوعي ثقافي أفضل، وانعكس ذلك بكل تأكيد على أعمدة الرأي.

وقال عباس لـ ''الاقتصادية '': أقرأ في الغالب في زمن مضى بالنسخ الورقية أغلبية أعمدة الرأي في الصحف والمجلات على الأقل في الـ 40 الأخيرة ولم أزل وإن استبدلت النسخ الإلكترونية بالورقية، وأيضا ككاتب لأعمدة يومية أو أسبوعية في الـ 50 سنة الأخيرة، ولم أزل ولم يتغير رأيي في المبدأ وظل كما هو، وفي تقديري أن الكثير ممن يكتبون الآن يعتمدون على العلاقة الشخصية أو القبول عند المسؤول مع الاحترام للجميع، وليس على معايير الكتابة والآراء التي تقودها في الغالب أيضا الميول والاجتهادات السطحية وليس على الفهم والموضوعية، مضيفا أن هذه النظرية ليست بالسوداوية، لكنها وجهة نظر احترافية تستند إلى تجارب السنين في العمل القيادي في الصحف.

وعن الفوارق بين الكتابة لدى الجيل القديم والحديث أوضح عباس أن الأساليب البلاغية قديما وسلامة اللغة من جميع النواحي هي أبرز ما تميزت به الكتابات السابقة بينما نجد الكتابات الحديثة شابها الكثير من الخلل اللغوي والمآخذ في التراكيب وصحة وسلامة اللغة وضعف التناول، سواء كانت كتابات ذكورية أم للنساء ''لكوني لا أحب التمييز ولا أتعامل معه''.

من جانبها، بينت سارة الخثلان الكاتبة والناشطة الاجتماعية أن بعض رؤساء التحرير في الصحف المحلية يقيدون اندفاع الكاتب بتوجيهاتهم وآرائهم، ما يجعل هذا الكاتب يتراجع عن انطلاقته الفكرية، لذا فوجئنا بما يغرده الكتاب من كتابات غير مثقلة بالقيود، مشيدة بالكتابات الجميلة للأقلام السعودية الجديدة من كلا الجنسين، ولا سيما التي يتم تدوينها وتناقلها في مواقع التواصل الاجتماعية حتى غدت محركا ثقافيا ووعيا وطنيا، وإن تخللت بعض هذه الكتابات السطحيات والسخافات.

ورأت الخثلان أن بعض الكتابات السابقة التي خطت من قبل كتاب كبار كنا نعتقدهم مبدعين ومحركين في المشهد الثقافي، أثبتت لنا الكتابات الحديثة مدى سطحيتهم وأنهم ليسوا كتابا رائعين كما كنا نراهم سابقا، معللة أنه ربما تكون بعض كتابات الكاتب في كلا الجيلين السابق واللاحق سطحية وغير هادفة نتيجة ضغوط رؤساء التحرير أو الجري وراء المصالح الشخصية والمجاملة التوددية لأطراف معينة كالتي يطلق عليها بالجماعات الشللية.

كما انتقدت الخثلان بزوغ بعض الكتابات الجديدة التي لا تنم عن حياة معاشة أو تجربة واقعية، وإنما تسرد محادثات غير مهذبة ولا ترتقي بمستوى النضج لدى القارئ، خاصة التي يروج لها النقاد باعتبارها من الكتابات الرائعة والحديثة، نافية إمكانية القول بدواعي الشهرة واحتكامها في مثل هذه الكتابات السطحية، وإنما يعود لحب الظهور السريع.

ودعت الخثلان إلى توخي الشفافية والصدق أمام الخالق والمخلوقين، لكون القراء أصبحوا أكثر وعيا وتمييزا لمستوى الكتابات الهابطة من الجيدة، ولديهم القدرة على اكتشاف ما وراء هذا الكاتب إن كان يريد المصلحة الذاتية أم مصلحة المجتمع وأبناء وطنه.

#2#

إلى ذلك، أوضح الكاتب الصحافي أحمد علي الشمر أن هذه الإسهامات الكتابية ما لا شك فيه قد انعكست بمردوداتها الإيجابية على الجيل الصاعد من الشباب والمجتمع بشكل عام وبصورة ملموسة وواضحة، مؤدية بدورها إلى خلق وعي عام وشامل في الكثير من المجالات والجوانب الاجتماعية والثقافية والفكرية، قائلا: أعتقد أن المجتمع السعودي نتيجة للنمو والتقدم العلمي والثقافي والإعلامي وصل إلى مرحلة متقدمة ومشرفة تضاهي كثيرا من المجتمعات التي سبقته بفترات ومراحل زمنية وأن دلالات التقدم الملحوظ يلمس من خلال الطفرة المعلوماتية والحضور المستمر للإنسان السعودي على صعيد ومستوى الساحة العربية والإقليمية والدولية.

وتابع الشمر أن جميع هذه المعطيات تؤكد مواكبة الكاتب السعودي وحرصه على التواصل وتقديم إسهاماته ومشاركاته المستمرة والهادفة إلى النهوض ببلده ومجتمعه بما يخدم جميع التوجهات المختلفة بجانب ما قدمه من رؤى ثقافية وتنويرية تتمثل في العديد من الأعمال الفكرية، لافتا إلى أنه على الرغم من تباين واختلاف توجهات الكاتب، فإن لكل منه تمايزه وتوجهه الثقافي والفكري في طرح الموضوعات التي نحسن الظن بأنها لا بد أن يراعى فيها الجدية والطرح الهادف والبناء.

وحول اختلاف الكتابات عبر الأجيال أرجع الشمر أسباب الاختلاف للعصر نفسه واهتمام الناس فيه بموجب تباين اتجاهاتهم وتوجهاتهم، لذا نجد أن اهتمامات ودوافع الجيل السابق من الكتاب كانت تحاكي موضوعات محدودة في طروحاتها الثقافية التي غالبا ما كانت تبحث وتناقش وتركز على قضايا التنمية والتطور، خاصة فيما يتعلق بمجال الخدمات والتنمية المقدمة من المؤسسات والإدارات الحكومية والقطاع الخاص بجانب طروحاتها المحدودة في قوالبها التي لا تتجاوز جوانب الكتابة الأدبية نثرا وشعرا وقصة متمحورة في تناولاتها وسائل وأدوات المديح والتلميع والتزويق للأشخاص.

وأبان الشمر أن ما حققه الجيل الحاضر دون ريب يعد انعطافا تاريخيا وانطلاقة جبارة للتحول لآفاق المستقبل الواعد مع مواكبة الحداثة لتجاوزه الكثير من القضايا واختصاره للمسافات والأعمال، لكونه أصبح اليوم لدينا مؤسسات ضخمة وإمكانات فنية وتقنية هائلة بكوادر مؤهلة، ولذا لم يعد اهتمام الكاتب كما كان بالأمس محصورا في جانب محدد، بل تنوعت الاهتمامات وتطورت الدوافع إلى ما هو أبعد، منوها إلى أن الكاتب يفترض أن يلم بكل المعارف، وأن يكون حصيفا ولماحا وواسع الثقافة مع ما لديه من تجارب عميقة وحصيلة فكرية وثقافية متنوعة، وهو أمر ينطبق على الكاتبة أيضا مع بعض التباين في توجهاتها التي تكون في بعض الحين تلامس اهتمامات وشؤون المرأة بشكل عام في مختلف القضايا.

الأكثر قراءة