رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


مشاكل العمالة المنزلية بين المواجهة والتغاضي

وهو في حالة نفسية سيئة نتيجة هروب الخادمات والسائق تكرارا ومرارا وما ترتب على ذلك من التزامات لا يستطيع الوفاء بها لارتباطاته الشخصية والعملية إضافة إلى ارتباطات أبنائه بالمدارس والجامعات والوظائف وضعف حالة زوجته الصحية، قال لي أحد الأصدقاء: إن الأصل في العمالة المنزلية الهروب والاستثناء العمل واستكمال العقد بالراتب المتفق عليه، ويؤكد أنه ومنذ نحو عشر سنوات أصبح يدور في حلقة استخراج التأشيرات ثم الذهاب لمكاتب الخدم ثم تسلم العمالة المنزلية من المطار ثم المنزل ثم استخراج الإقامات ورخص القيادة، فالهروب ثم الذهاب لمكتب شؤون الخادمات لتسلم وثيقة تثبت هروبهن ليذهب أخيرا لمكتب شؤون الوافدين لإلغاء الإقامة والعودة لمكتب الاستقدام لإصدار تأشيرات جديدة وهلم جرا.
هذه الحلقة تكلفه الكثير من المال والجهد والوقت والتي تتخللها عادة مفاوضات زيادة الرواتب خصوصا بالنسبة للسائق الذي يدعوه نظراؤه للهروب والعمل خارج المنزل، حيث الرواتب المضاعفة والذي عادة ما يرتب هو الآخر لهروب الخادمات وقبض عمولة التهريب من رئيس عصابة توظيف الخادمات الذي يؤجرهن بالساعة بمعدل 25 إلى 30 ريالا بمتوسط دخل خمسة إلى ستة آلاف ريال شهريا يأخذ معظمه ويعطي الخادمة الهاربة ثلثه على أحسن تقدير وهو ما يساوي ضعف راتبها في المنزل والتي تمضي بدورها بضع سنوات ثم تغادر البلاد بطريقة لا نعلمها ونحمد الله أنه في أحيانا كثيرة لا يتم الاتصال بالكفيل المظلوم لدفع تذكرة سفرها.
صديقي الذي لجأ إلى السوق حيث استأجر سائقا بإقامة حرة كما يقولون بضعف راتب المستقدم لمصلحته وخادمات بالشهر بأجر مضاعف كحل بديل مؤقت يضيف أن ارتفاع دخل العمالة المنزلية نتيجة تغاضي الأجهزة الحكومية المعنية عن مواجهة هذه المشكلة بحزم وصرامة أدى بشكل تلقائي لمضاعفة تكاليفهم وارتفاع تحويلاتهم بشكل كبير، حيث تضاعف دخل السائق والخادمة وتضاعف دخل العاملين في عصابات تهريبهم وتوظيفهم بالساعة واليوم والشهر وهم مجموعات معروفة وهواتفها متوافرة ويمكن للمباحث الجنائية الوصول لهم بسهولة والتعامل معهم بحزم لو شاؤوا، كما أنهم يجولون في البطحاء في عطلة نهاية الأسبوع بكل حرية دون خوف من نظام رغم أنهم لا يحملون أي هوية تثبت نظامية إقامتهم في البلاد.
من المفترض أن تكون العمالة المنزلية حلا لمشكلة بمعنى أن استقدام العمالة المنزلية جاءت بسبب الحاجة خصوصا بعد أن أصبحت المرأة عاملة وبعد أن أصبحت المنازل كبيرة ومتعددة المرافق ولا يمكن للزوجة منفردة أن تقوم بمهامها كاملة بما في ذلك مهام خدمة الأسرة، أيضا السائق أصبح ضرورة في ظل منع المرأة السعودية من القيادة وإيقاف خدمات نقل الطلبة والطالبات، حيث لا يمكن للزوج أن يقوم بالمهام كافة خصوصا تلك التي تتعارض مع أوقات العمل التي تمتد لنحو عشر ساعات يوميا منذ لحظة الخروج من المنزل حتى العودة وبالذات في القطاع الخاص.
مع الأسف الشديد هذا الحل أصبح مشكلة ذات أبعاد متعددة اقتصادية واجتماعية وثقافية وأمنية بل وحتى صورة بلادنا في الخارج، حيث تشوه منظمات حقوق الإنسان صورة بلادنا بدعوى المتاجرة بالبشر وضرورة إلغاء نظام الكفيل ولا شك أن المشكلة لم تكن لتتفاقم لولا تهاون الجهات الحكومية المعنية مع جميع أطراف العمالة المنزلية سواء مكاتب الاستقدام أو الكفلاء وذويهم أو العمالة ذاتها أو من يستقطبهم للعمل غير النظامي لتحقيق مكاسب غير مشروعة من ورائهم، ومع الأسف الشديد هذه المشاكل ونتيجة للتراخي الحكومي باتت تشكل بؤرة مشاكل هي الأخرى.
وأقول إذا أردنا أن نعالج المشكلة ونتجاوز مرحلة التغاضي التي لم تأت بخير بحال من الأحوال علينا أن نتعامل مع مجال العمالة المنزلية كجزء مهم وحيوي من أجزاء سوق العمل وعلينا أن ننظم العلاقة بين عناصره من عمالة ومستفيدين ووسطاء وتطويره ليصبح جزءا محفزا للتنمية بجميع مجالاتها لا معيقا لها وعلينا أن نعمل على حماية جميع عناصره بالقدر نفسه من الأهمية لمصلحة الجميع ودون تغليب مصلحة طرف على آخر ذلك أن مثل هذا التغليب والانحياز ينعكس سلبا على السوق وعلى جميع عناصره بما في ذلك العنصر الوطني.
تنظيم سوق العمالة المنزلية وتطويره وحماية عناصره يتطلب العمل في عدة مسارات كالمسار التنظيمي، والمسار التوعوي والمسار الرقابي الذي يشتمل على الرصد والضبط والإحالة والمقاضاة والعقاب، ومسار تنمية المنشآت العاملة في مجال استقدام العمالة المنزلية، والمسار التنسيقي مع الدولة المصدرة للعمالة المنزلية، ولا شك أن وزارة العمل هي الجهة الحكومية المعنية بكل ذلك لكنها ما زالت تتداخل مع وزارة الداخلية في هذه المهام، حيث لا نعلم عن الجهة القيادية ومن الجهة المتعاونة معها ما جعل جميع هذه المسارات تعاني مشاكل، الأمر الذي أدى إلى سوق غاية في السوء يعاني جميع عناصره عدم تنظيمه وتطويره وحماية جميع عناصره بما في ذلك سمعة بلادنا في مجال حقوق الإنسان.
ولو على سبيل المثال تكفلت وزارة العمل بحملة توعوية دائمة ومستمرة بالتعاون مع مكاتب الاستقدام بشأن ثقافات العمالة المنزلية وكيفية التعامل معها وبشأن حقوق العمالة المنزلية بالإسلام ووثائق حقوق الإنسان وكيفية التعامل مع الخدم وكيفية كشف الحالات المرضية والتبليغ عنها، وعلى الجانب الآخر توعية العمالة المنزلية بحقوقهم وواجباتهم وأنظمة البلاد والجهات التي يمكن الرجوع لها في حال تعرضهم للأذى أو العنف أو التأخر في سداد مستحقاتهم، أقول لو تمت التوعية بكل ذلك لاختصرنا على أنفسنا الكثير من المشاكل قبل وقوعها، فما بالك إذا دُعم هذا الوعي بأنظمة ولوائح وأجهزة رصد وضبط وإحالة وعقوبات صارمة.
ختاما نتطلع جميعا إلى أن تسند مهمة تنظيم سوق العمالة المنزلية لجهة حكومية واحدة تنسق مع الجهات والأجهزة الحكومية الأخرى لتنظيم وتطوير سوق العمالة المنزلية وحماية جميع عناصره بما يحمي أفراد المجتمع ثقافيا واقتصاديا وأمنيا ويحقق الهدف من استقدامهم كحل لمشاكل الأسرة السعودية لا مشكلة إضافية لها وللمجتمع والوطن بالمحصلة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي