رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


صخور المصدر تفتح آفاقا جديدة لإمدادات النفط

لعل التغيير الأكبر الذي حدث لصناعة النفط العالمية منذ عقود هو التوجه الجديد لعدد كبير من علماء جيولوجيا النفط إلى إعادة النظر في نظريات المكامن النفطية. النظرة التقليدية لعلم الجيولوجيا في الكشف عن المكامن النفطية تتضمن البحث عن تجمعات وتراكيب جيولوجية كبيرة للنفط والغاز يمكن الوصول إليها واستغلالها بصورة اقتصادية.
إن قدوم النفط من صخور المصدر، ما هو الآن إلا مجرد فكرة تاريخية، حيث كان الاهتمام منصبا على هجرة النفط من صخور المصدر إلى تراكيب ومصائد جيولوجية مختلفة، ما تسبب في تشبع صخور هذه التراكيب بالمواد الهيدروكاربونية. عادة ما ترسل هذه التراكيب إشارات تدل على وجود المواد الهيدروكربونية، مثل وجود تسربات للنفط، إطلاق غازات، تشوهات ملحوظة في قشرة الأرض أو غيرها من الإشارات الجيوفيزيائية والجيولوجية التي في النهاية تأكدها عمليات الحفر والاستكشاف.
حتى وقت قريب جدا لم يكن هناك أي اهتمام يذكر منصب على صخور المصدر، لكن التقديرات الأخيرة تشير إلى أن ما يقدر بنحو 75 في المائة من النفط الذي كان موجودا أصلا لا يزال محصورا في صخور المصدر، وأن فقط جزءا قليلا من النفط المتكون في هذه الصخور هاجر واستقر في مكامن تقليدية.
إن الدراسات الجيولوجية الحديثة تقدم وجهة نظر ديناميكية جديدة مختلفة لصناعة النفط الاستخراجية. العديد من المناطق الجديدة الواعدة بإنتاج النفط في العالم التي تم تجاهلها في إطار النظرة الكلاسيكية للصناعة، استحوذت اليوم على الكثير من إمكانات النمو في إمدادات النفط العالمية، خاصة المناطق القديمة من خارج منظمة الدول المصدرة للنفط ''أوبك'' التي تم استكشافها بصورة مكثفة في السابق مثل الولايات المتحدة.
لقد بدأ التوجه الجديد في صناعة النفط الاستخراجية بهدوء نسبيا منذ عدة عقود من الزمن مع ظهور عمليات التعدين في الرمال النفطية الكندية التي تحوي على زيت القار في عام 1967، مع بدء استغلال النفط الثقيل جدا في فنزويلا من خلال سلسلة من المشاريع في وقت مبكر من العقد الماضي. كما كانت هناك أيضا جهود في منتصف سبعينيات القرن الماضي لاستغلال الزيت الصخري oil shale في ولاية كولورادو، لكن هذه الجهود لم تكلل بالنجاح. إن صخور زيت القار وترسبات الكيروجين الأقل نضجا هما عبارة عن شكل من أشكال صخور المصدر التي احتفظت تقريبا بجميع المواد الهيدروكاربونية التي تكونت فيها.
حتى إن بعض أنواع النفوط الثقيلة التقليدية في ولاية كاليفورنيا، بحر الشمال والمكسيك يمكن إضافتها إلى القائمة السابقة. لكن النظرية الكامنة وراء هذه الأنواع من النفوط لا تزال مبنية على النظرة الكلاسيكية للصناعة.
من بين أنواع الصخر الزيتي في الولايات المتحدة، يأتي في المقدمة حوض النسر فورد في ولاية تكساس، الذي هو عبارة عن صخور سجيل، وحوض باكن Bakken في ولاية داكوتا الشمالية، الذي هو عبارة عن تراكيب محكمة من حجر الدولومايت، حجر الغرين، والحجر الرملي محصورة بين طبقات السجيل. من المتوقع أن يصل إنتاج النفط وسوائل الغاز الطبيعي من هذين الحوضين إلى نحو 1.8 مليون برميل في اليوم بحلول عام 2013.
بعد أربعة عقود من تراجع إنتاج النفط من الحقول التقليدية في الولايات المتحدة، أعاد ازدهار إنتاج النفط في عام 2008 من تكوينات الصخر المحكمة أو الصخر الزيتي النمو إلى الولايات المتحدة، هذا التحول الإيجابي في إنتاج النفط كان إلى حد كبير نتيجة لوجهة النظر الديناميكية الجديدة التي طغت على النظرة الكلاسيكية القديمة.
إن ما حصل في الولايات المتحدة في ضوء الرؤية الديناميكية الجديدة للموارد الهيدروكاربونية العالمية من المرجح أن يكون ما هو إلا مجرد غيض من فيض، ذلك لأن الولايات المتحدة تعتبر إلى حد كبير من أكثر المناطق المستكشفة في العالم.
إن النمو في إمدادات الزيت الصخري في الولايات المتحدة قابله تراجع في الإنتاج من المصادر التقليدية في مناطق مختلفة داخل الولايات المتحدة وخارجها، خصوصا في بحر الشمال والمكسيك، لكن هذا لن يكون حال المناطق الأقل استكشافا في العالم. تشير أرقام وكالة المسح الجيولوجي الأمريكية إلى أن الولايات المتحدة تشكل نحو 10 في المائة فقط من مصادر النفط العالمية بما في ذلك النفط الخام وسوائل الغاز الطبيعي، وتشكل نحو 20 في المائة من مصادر الغاز الطبيعي. من الواضح جدا أن الولايات المتحدة لديها تفوق قوي في البنية التحتية المتطورة، صناعة خدمات هندسية متطورة، وأطر مالية وتنظيمية مواتية. كما أن جودة الموارد الهيدروكاربونية هي أيضا لمصلحة أمريكا، بعض المعلومات الأولية بخصوص استكشاف السجيل في أوروبا تشير إلى توافر البنية التحتية والخبرة، لكن هذا لا يزال في الأيام الأولى.
تجمعات صخور المصدر التقليدية العالية الجودة حسب منظور النظرة الكلاسيكية للصناعة النفطية في الغالب تكون موجودة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. لكن مصادر النفط الثقيل، القار، الطفل الزيتي والكيروجين تعتبر حتى الآن من حصة نصف الكرة الأرضية الغربي، على الرغم من أن روسيا والصين قد يكونان أيضا من اللاعبين الرئيسين في هذا المجال. هذا وقد توفر النظرة الديناميكية الجديدة أيضا فرصا جديدة للعديد من البلدان من خارج منظمة أوبك للحد من حاجتها إلى واردات النفط الخام والغاز، ذلك عن طريق تطوير مواردها الذاتية من صخور المصدر التي تحوي على النفط أو الغاز.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي