السيادة المفهوم الأشمل
مع الأحداث التي صاحبت الفيلم المسيء للرسول ـــ صلى الله عليه وسلم ــــ والذي صدر في الولايات المتحدة بإخراج يهودي يحمل الجنسيتين الأمريكية والإسرائيلية وبتمويل ودعم من أشخاص يحملون الجنسية الأمريكية قيل إنهم أقباط وقيل إنهم يهود، وحيث ترتب على هذا الفيلم وما تضمنه من إساءات للرسول ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ وجرح مشاعر المسلمين في كل مكان تحركات شعبية معبرة عن مشاعرها وحنقها على هذا الفعل الاستفزازي، والذي لم يكن الأول من نوعه يصدر من بلدان غربية، ونظراً لأن هذه التحركات الجماهيرية التي حدثت في بعض البلدان كمصر وتونس، وليبيا، والسودان، واليمن، وباكستان وأفغانستان وغيرها من أوطان العالم الإسلامي توجهت إلى الرمز الذي يمثل البلد الذي أنتج ومول فيه الفيلم، لذا فقد ترتب على الفعل تصرفات غاضبة أدت إلى سلوك عنفي تمثل في إحراق السفارة، وإنزال العلم الأمريكي واستبداله بعلم يرى المتظاهرون أنه يعبر عنهم، وعن عقيدتهم، كما ترتب على هذه التظاهرات قتل السفير الأمريكي في ليبيا ومعه بعض العاملين في السفارة.
لا شك أن الاعتداء على السفير والعاملين في السفارة، وكذا الاعتداء على السفارة غير مقبول لكن السلوك الجماهيري لا يمكن التحكم فيه خاصة في حالات الغضب، وحين يجتمع الناس، وهم مختلفون في أعمارهم، ونضجهم، وثقافتهم، ووعيهم وإدراكهم للأحداث، إذ قد يسود العقل الجمعي، والذي يغيب معه التركيز، والتفكير الناضج، والعميق، ويبدأ الناس يتصرفون تصرفات لا يدركون مآلاتها.
هذه التجمعات التي تحدث بعفوية، وتحرك طبيعي، وشخصي يصعب توجيهها لأنه لا توجد لها في الأساس إدارة أو قيادة يمكنها التأثير في الجماهير، وحتى لو وجد من بينهم من يرغب في توجيههم، وقيادتهم فلن يتمكن من ذلك لأنه لا يملك نفوذاً عليهم، ولا الكاريزما القادرة على سرعة التأثير أثناء الموقف الذي وجد نفسه فيه داخل هذه الجماهير.
السلوك الجمعي في ظروف الغضب من أصعب الأشياء إذ لا يمكن توجيهه، أو التحكم فيه لأن الأفراد يتصرفون تصرفات فردية ليس لها سياق محدد، وإنما تقوم بما تعتقد أنه يفرغ من شحناتها الانفعالية ويريحها من التوتر الذي أحدثه الفعل، أو السلوك من مصدر ما، كما في حالة الفيلم المسيء للرسول ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ الذي حرك الجماهير.
الفعل ورد الفعل يفترض أن يناقشا من خلال مفهوم السيادة ويحق للساسة الأمريكان أن ينددا بالاعتداء على سفاراتهم لأنهم يعتبرون السفارات جزءاً من سيادتهم، وهي كذلك حسب القانون الدولي لأنها تمثل الوطن، وهي رمز له في البلد الذي توجد فيه.
لعله من المناسب أن نلفت النظر إلى أن مفهوم السيادة أوسع وأشمل من أن يقتصر على مبنى من الحديد والخرسانة، والبلك فسيادة الدول، والمجتمعات تتضمن ما هو أهم من الأشياء الحسية رغم أهميتها، فالقانون والنظام جزء من السيادة، ولذا خرقه يعتبر اعتداءً على سيادة الوطن، كما أن إهانة المقدسات، ورموزها يمثل اعتداءً على السيادة، وهذا بالفعل ما حدث في الفيلم إذ إنه يمثل جرأة واعتداءً على السيادة يفوق ما ينجم من اعتداء على السفارة أو حرقها.
إن عقائد، وقيم الناس هي جوهر مفهوم السيادة، ولذا وجدت السفارات والعلاقات الدبلوماسية لتمثل الدولة بهذه الأشياء إضافة إلى الجوانب الاقتصادية، والتجارية، والسياسية وغيرها، ولذا فإن إشعار الناس بتجاوزهم على سيادة أمريكا حين يتم الاعتداء على السفارات الأمريكية يمكن قبوله إذا تم النظر للسيادة في مفهومها الشامل وليس الجزئي، وعليه فإن الفيلم هو اعتداء على سيادة مليار ونصف المليار من المسلمين.