يا خبر.. فيلم سعودي!!
كان خبرا طازجا جديدا مختلفا، نادرا ومثيرا حقا يستحق بالفعل هذا العنوان أعلاه.. وقد تصدر على الفور نشرات أخبار بعض الفضائيات العربية ناهيكم عن الإذاعات والصحف.
فالخبر عن فيلم سينمائي سعودي هو الأول من نوعه ويعرض خارج إطاره المحلي (في البحرين) لتعذر وجود صالات سينمائية في بلد المنشأ "السعودية" زاد في طرافة الخبر أن الفيلم من إخراج سينمائية جسورة مثابرة على الإخلاص لهذا الفن هي الأستاذة هيفاء المنصور ومعها فريق من المبادرين من شباب الفن السعودي.
ومع تثميني لجلال المبادرة التي أقدمت عليها الأستاذة هيفاء، إلا أنني أرغب في أن أجند نفسي قاطع طريق على خبث المقصد في التركيز بالخبر على أن الفيلم من إخراج امرأة فليس في الأمر مفارقة غرائبية أن تقتحم امرأة من هذا الوطن صدارة المشهد السينمائي المحلي وتنتزع قصب سبق إخراج أول فيلم سينمائي سعودي وتضع بصمتها على جدار الشمس غير عابئة بالمتطلبات والاحترازات مصرة على إيجاد صيغة "ما" لإخراج عفريت إبداعها من قمقم الممانعات والمصاعب البيروقراطية.. أقول ليس غريبا أن تفعل ذلك امرأة من بلادنا إلا في عيون أولئك الذين يصرون على النظر إلى المرأة في بلادنا وكأنها من كوكب آخر .. وكأنها لم تكن الأحرص على مخاصرة وطنها في معراج تقدمه من صيحة ميلادها إلى رجفة الموت، في مختلف المجالات والتخصصات أبدعت وأدهشت تماما كشقيقها الرجل.
لذلك استثمرت الأستاذة هيفاء مثلنا العربي المشهور خير استثمار، (ما لا يدرك كله لا يترك جله!!) وهكذا.. حين فاجأها مخاض العرض تفتق ذهنها العبقري عن الولادة في بيت الجيران لكي يتسنى للأهل والخلان سهولة الحضور ومشاهدة هذا الذي لم يعد حلما بل واقعا عيانا!!
أعرف وتعرفون أن لدينا مخرجين أكفاء ومخرجات كفؤات وأن لدينا فنانين وفنانات مدهشين في قدراتهم يتحرقون لأعمال سينمائية متميزة.. كما أن أبصارنا وحواسنا تستحوذ عليها الأفلام التي تبثها محطات التلفزة، وأننا نهرول حين نذهب في أسفارنا قريبا أو بعيدا إلى صالات السينما، نبحر فيها لساعات مع دراميات المشهد، نفتش فيها عن أنفسنا ونجمع شتات أجزاء نوازعنا ورغائبنا وحاجاتنا واحتياجاتنا لأننا كغيرنا من بني البشر، وإذا لم نجد أنفسنا فإننا نجد في السينما ما يذكرنا بها على الأقل أو ما ينبهنا إلى أننا يمكن أن نكون على هذا النحو أو ذاك.. فنخرج من مشاهداتنا ونحن أكثر قدرة على احتواء تناقضاتنا وبالتالي فهم تناقضات الآخرين أو نتفهمها.
هذا درس تلقيه علينا الأفلام وحين تقدم هيفاء المنصور على صناعة فيلم عنا يحمل عبق أنفاسنا، طعم تقاليدنا، هزج لغتنا وعرق معاناتنا، مستجمعة إياها في عبارة (كيف الحال؟) التي نقولها كلما التقى أحدنا بأحدنا أو خطر ظله بظلنا أو صوته أو خياله ليصير ذلك كله عنوان الفيلم فهذا يعني أن هيفاء اختارت الخروج من أفواهنا ومن أبصارنا وعروقنا ومسامنا، من حركاتنا وسكناتنا لكي تناظرنا بألفتنا أو قلقنا، تجابهنا بقدرتنا على الحكي والفعل مثلما جابهت هي نفسها بصناعة فيلم واخترعت صيغة عرضه بذكاء غيور!!