الأكراد ليسوا راضين عن رؤية لجنة بيكر- هاملتون للقطاع النفطي العراقي

الأكراد ليسوا راضين عن رؤية لجنة بيكر- هاملتون للقطاع النفطي العراقي

مع الجدل الذي أثارته لجنة بيكر- هاملتون حول كيفية التعامل مع الوضع العراقي، وسعي البيت الأبيض إلى إبعاد نفسه عن توصياتها، إلا أن عمل اللجنة لم يقتصر على الجوانب السياسية والعسكرية فقط، وإنما تعداها إلى الساحة النفطية، التي يرى التقرير أن السياسات الخاصة به لها القابلية لتدمير الجهود الداعمة لإقامة حكومة مركزية قوية يركز عليها كاتبو التقرير، مع ملاحظة أن الكثيرين يرون أن العامل النفطي من الأسباب الرئيسية التي دفعت واشنطن إلى غزو العراق وإطاحة نظام الرئيس العراقي السابق صدام حسين.
من أبرز النقاط التي ركز عليها التقرير الصادر في مطلع هذا الشهر علاقات المركز بالأقاليم حيث انتقد المطالبة بالفيدرالية، التي وصفها أنها لا تناسب العمل لأحداث مصالحة وطنية، كما انتقد التقرير فكرة قسمة الموارد على المستوى الإقليمي وذلك على أساس أنها تتجاوز قدرات البنية المؤسسية للوضع الحالي في العراق.
ودعا التقرير في جانب آخر إلى تأجيل موضوع الاستفتاء على تبعية كركوك المتصارع عليها بين العرب، الأكراد والتركمان، حيث كان ينبغي القيام باستفتاء لتحديد تبعيتها بصورة نهائية العام المقبل، إلا أن التقرير يوصي بتأجيل هذا الاستفتاء وذلك على أساس أن التصويت المقترح سيصبح عنصر إقلاق للوضع العام وإعاقة للجهود المبذولة لإقامة حكومة وحدة وطنية. ويضيف التقرير أن إجراء مثل هذا الاستفتاء يتطلب رقابة دولية لتجنب حدوث عمال عنف جماعية. والوضع الراهن يشبه برميل بارود قابل للاشتعال ويمكن لإجراء الاستفتاء أن يصبح عود الثقاب الذي سيشعل البارود.
كما طالب التقرير أن يتم تجيير كل العائدات من المبيعات النفطية إلى الخزانة المركزية ثم يصار إلى تقسيم العائدات بعد ذلك على أساس الثقل السكاني.
وكل هذه المقترحات لم تعجب الأكراد وكانت من الأسباب الرئيسية لانتقادهم للتقرير.
الدستور العراقي أعطى الأقاليم الحق في تطوير مواردها النفطية والغازية، ولو أن هناك التباسا في تفسير بعض المواد. فالمادة 108 من الدستور تقول إن النفط والغاز هما ملكية للشعب العراقي في كل المحافظات والأقاليم، بينما المادة التالية وهي 109 تكلف الحكومة الفيدرالية مهمة إدارة الثروة النفطية من الحقول الحالية التي تنتج النفط والغاز، لكن هناك غموضا يتعلق بالإشارة إلى الحقول الجديدة وتلك القائمة، وهو غموض له تبعاته فيما يتعلق بالسيطرة على الإيرادات المالية من المبيعات النفطية وكيفية توزيعها.
فبالنسبة للأكراد كما ترى حكومتهم الإقليمية أن تفسيرها للقانون يقوم على أساس مقاسمة العائدات مع الحكومة المركزية بالنسبة للحقول المنتجة والقائمة فعلا، أما بالنسبة لتلك الجديدة، فإنه ليست مشمولة بهذا الفهم وبالتالي فإن كل العائدات تصب في صالح الحكومة الإقليمية في كردستان.
ويشير التقرير إلى أنه ليست هناك صيغة تعطي السيطرة على حقول النفط للأقاليم وتظل متسقة مع جهود الوفاق الوطني، ومضيفا أن الأكراد كانوا الأكثر شراسة في سعيهم لتأكيد استقلالهم وسيطرتهم على مواردهم النفطية وذلك عبر التوقيع على اتفاقيات مع شركات أجنبية للعمل في المناطق التي يسيطرون عليها في شمال العراق. وبالنسبة للشيعة في الجنوب تتردد بعض الأحاديث عن قيامهم بإجراء اتصالات هم كذلك مع بعض الشركات الأجنبية وذلك للقيام باستثمارات في الصناعة النفطية في بلدانهم.
ويطرح التقرير بعض المقترحات مثل إعادة توزيع العائدات المالية مباشرة على المواطنين، لكنه يحذر من عدم وجود الأجهزة القادرة على تطبيق أفكار كهذه، والعمل على إنشائها يتطلب قضاء وقت طويل حتى يمكن إنجاز مثل هذه العملية، كما أنها تحتاج إلى إحصاء سكاني معترف به ونظام للضرائب على الأفراد. والوضع الحالي في العراق يفتقد هذين العاملين.
ويطالب التقرير بقوة الإدارة الأمريكية أن تعمل على تقوية الحكومة المركزية بقدر الإمكان خاصة فيما يتعلق بالإيرادات النفطية.
يتطرق التقرير كذلك إلى وضع القدرة الإنتاجية النفطية العراقية موضحا أن حجم الإنتاج الحالي في حدود 2.2 مليون برميل يوميا، وهو ما يقل عما كان عليه الوضع قبل الحرب وإطاحة النظام السابق من ناحية، كما أنه يقل عما تستهدفه الحكومة من ناحية ثانية ويعتقد أنه يمكن أن يتم بإنفاق 20 مليار دولار مع توافر البيئة المناسبة أمنيا وسياسيا حيث يمكن أن يرتفع الإنتاج اليومي إلى مليونين ونصف المليون برميل وربما إلى ثلاثة ملايين برميل. كما أن هذا المعدل يقل كثيرا كنسبة عن حجم الاحتياطيات النفطية التي تزخر بها البلاد وتضعها في المرتبة الثانية بعد السعودية فيما إذا تم استثناء كندا واحتياطياتها النفطية الإضافية التي يتم استخلاصها من الرمال.
وأرجع التقرير المتاعب التي تعاني منها الصناعة النفطية العراقية إلى تدهور الوضع الأمني من ناحية وضعف الاستثمارات والخبرات التقنية اللازمة لإدارة العمل وتسييره من الناحية الأخرى. ويعطي التقرير بعض الأمثلة مثل غياب نظام للقياس للنفط المنتج وذلك الذي يتم تصديره من البداية إلى نهاية خطوط التموين، عدم وجود صيانة لمحطات الضخ ولا لخطوط الأنابيب ومرافق التحميل.
ومع أن للعراق كوادر مهنية تلقت تدريبا جيدا ووصلت أعدادها في فترة من الفترات إلى 55 ألف عنصر، إلا أن نسبة كبيرة منها إما هاجرت وإما تركت العمل بسبب تردي الوضع الأمني وعدم الاستقرار الوظيفي أو حتى أرغمت على البعد. وتظل هذه الفجوة فاغرة فمها لتردد الشركات الأجنبية في القيام بالاستثمارات اللازمة. ويركز التقرير على معلومة تلخص الوضع كله وهي أن وزارة النفط لا تستطيع إنفاق أكثر من 15 في المائة من موازنتها السنوية لأسباب مختلفة تكون نتيجتها عدم قدرتها على القيام بمهمة إدارة الصناعة النفطية على الوجه المطلوب من منتج له احتياطيات كبيرة وسجل قديم في هذه الصناعة.
كما يتناول تقرير بيكر- هاملتون موضوع الفساد في القطاع النفطي بداية بالحديث عن أن هناك نحو 150 ألفا إلى 200 ألف برميل يتم اختلاسها وبيعها لصالح جهات خارجية وتكون نتيجتها أن عائدات تلك المبيعات لا تدخل الخزانة الحكومية، بل إن بعض التقديرات تشير إلى أن حجم النفط المسروق يمكن أن تصل إلى نصف مليون برميل يوميا.
كما أن الشح في توفير المنتجات المكررة بصورة تكفي حاجة المستهلكين المحليين أدى إلى إيجاد سوق سوداء تلقي بظلالها على مجمل الوضع وتثير إحساسا بالمهانة إن دولة منتجة تعاني من السوق السوداء عجزها عن إيجاد المنتجات المكررة التي تلبي حاجيات المستهلكين سواء عبر توفيرها من مصاف محلية أو من خلال الاستيراد، وهو ما يفتح نافذة كبيرة للفساد والإفساد. ويستشهد التقرير أحد المسؤولين الأمريكيين الذي يرى في الفساد أحد الأسباب الرئيسية لاستشراء دورة العنف في البلاد بغض النظر عن أسمائها وإذا كان يمكن اعتبارها حربا أهلية أو تمردا أو عمليات عنف طائفي أو موجه إلى الوجود العسكري الأمريكي.
ويطرح التقرير بعض التوصيات حول القطاع النفطي ويقسمها إلى مجموعة تتناول مقترحات بعضها ليتم تنفيذه على المدى القصير والأخرى على المدى البعيد. فبالنسبة للجانب الأول تقترح على الولايات المتحدة أن تقوم بتقديم معونة فنية بأسرع ما يمكن للحكومة العراقية ومعاونتها على إعداد مسودة قانون تحدد بصورة واضحة حقوق الأقاليم والسلطات المحلية بصورة لا لبس فيها وإيجاد آلية وإطار للاستثمار تقوم على وضوح قانوني حتى يمكن جذب الاستثمارات. كذلك تدعو واشنطن إلى تشجيع الحكومة العراقية على القيام بعمليات لإعادة تأهيل كاملة للحقول الجنوبية حتى يمكن زيادة إنتاجها واتخاذ بعض الخطوات الإجرائية مثل العودة إلى نظام القياس للكميات المنتجة والمصدرة، دعوة الجيش إلى القيام بواجبه في حماية الصناعة النفطية وتدريبه على ذلك.
وعلى المدى البعيد يقترح التقرير أن الولايات المتحدة تحتاج إلى تشجيع الاستثمارات العالمية في الصناعة النفطية العراقية ومساعدة الحكومة على إعادة تنظيم هذا القطاع على أسس تجارية لتحسين الفاعلية واعتماد الشفافية والمحاسبة لمكافحة الفساد، كما تدعو الحكومة العراقية للإعلان عن كل العقود التي يتم إبرامها، أحجام الشحنات المباعة ونشرها عبر الإنترنت كما يدعو إلى الاستفادة من سياسات البنك الدولي لدعم الجهود الهادفة إلى الحصول على أفضل الممارسات في التعاقدات والتدريب ووضع السياسات لإدارة القطاع النفطي.
ويرى كثيرون مثل وزير النفط العراقي الأسبق عصام الجلبي أن النفط ظل على الدوام عنصرا أساسيا في تشكيل تاريخ العراق. ولهذا يبدو أن تقرير لجنة بيكر- هاملتون سيؤثر في هذا الاتجاه سواء قبلت توصياتها في هذا الجانب أو لم تقبل. وفي هذه الحالة يظل الوضع على ما هو عليه، إن لم يتجه إلى المزيد من التدهور وبالتالي يفتح الباب أمام تطورات لها بعدها السياسي والأمني.

الأكثر قراءة