اقتصاد بلا مؤشرات
في كل يوم أتابع حركة المؤشر العام للأسهم يتبادر إلى ذهني تساؤل عما إذا كان هناك انعكاس للأداء الاقتصادي العام بمختلف جوانبه على المؤشر العام للسوق. وأشك كثيراً في ذلك والسبب هو عدم توافر مؤشرات اقتصادية يستطيع من خلالها المستثمرين بناء توقعات معينة عن أداء السوق. في كثير من اللقاءات مع المحللين الماليين التي شاهدتها خلال الفترة الماضية أو من خلال تصفح بعض المنتديات الاقتصادية أسمع أو أقرأ مقولة إن الاقتصاد متين، والدليل على ذلك هو أسعار البترول العالمية وكأننا نختزل الوضع الاقتصادي العام بوضع أسواق البترول العالمية. أتفق مع كل هؤلاء في أهمية أسعار البترول العالمية بالنسبة لنا كدولة مصدر دخلها الأساسي النفط ولكن يجب تذكر أن تعريف الاقتصاد ينص على تحقيق أعلى معدلات التوظف والإنتاج باستخدام الموارد المتوافرة. بمعنى آخر أنه بجانب النظر إلى أسعار البترول العالمية كعامل مهم في تحقيق وفر مادي كبير يساعد على البناء الاقتصادي يجب أيضاً مراعاة جانب الكفاءة في استخدام هذه الموارد. إذاً كيف يمكن قياس الأداء الاقتصادي العام وكيف يمكن أن يؤثر ذلك في الأداء العام لمؤشر السوق المالي؟ الإجابة هي في بناء مؤشرات مالية تعبر عن المتغيرات الاقتصادية المختلفة كمعدلات البطالة والأسعار والإنتاجية والإنفاق الحكومي. فالمؤشرات المالية تلعب دوراً كبيراً في تحديد القرارات الاستثمارية في الأسواق المالية حيث توفر إشارات معينة يقوم الممارسون في السوق بترجمتها إلى توقعات لمجرى السوق واتجاهاته. لذلك فإن توافر مؤشرات مختلفة تقيس العوامل المختلفة ذات التأثير المباشر وغير المباشر على القرار الاستثماري يعتبر خطوة مهمة جداً في تطوير أداء الأسواق المالية. لنأخذ الاقتصاد الأمريكي مثلاً، فعلى الرغم من كبر حجم الاقتصاد وتشعبه وتعقد مستوياته الحكومية من حكومة فيدرالية إلى ولايات وحكومات محلية وعلى الرغم من وجود بنك مركزي في كل ولاية، فإن توافر العديد من المؤشرات الاقتصادية يساعد المستثمرين على قياس نبض الاقتصاد وبناء توقعات معينة بخصوص الاتجاه العام له وبشكل متسق بين أكثر المحللين الاقتصاديين، وذلك عامل مهم أيضاً في استقرار السوق المالية. فعلى سبيل المثال تتوافر مؤشرات تعبر عن مدى ثقة المستهلك تقوم عادة جامعة ميتشجان بتوفيرها عن طريق استفتاء تقوم بعمله شهرياً، كما توجد أيضاً مؤشرات أخرى متعلقة بالإنتاجية ومبيعات التجزئة وأسعار المستهلكين والبطالة. كل هذه المؤشرات لها تأثير قوي وفاعل في أداء المؤشرات المالية المختلفة للسوق الأمريكي، حيث ينتظر المحللون والسماسرة هذه المؤشرات لإعادة تقييم أوضاعهم الاستثمارية وتحديث توقعاتهم بشأن أداء السوق. وأعتقد أننا في سبيل تطوير السوق المالي السعودي وفي سبيل جعله متوافقاً مع المعايير العالمية، نحتاج إلى بناء مؤشرات مالية واقتصادية مختلفة ليكون هناك انعكاس فعلي للواقع الاقتصادي على أداء السوق المالي. السؤال هو كيف يمكننا أن نطور مؤشرات شهرية نقيس بها معدل البطالة أو المعدل العام للأسعار أو الإنفاق الحكومي؟ من المهم وجود طريقة عملية وسهلة لتوفير هذه البيانات وجعلها متاحة للمستثمرين والباحثين على حد سواء. وقد قادني تفكيري البسيط إلى إمكانية استخدام بعض البيانات التي يمكن توفيرها من قبل بعض الجهات الحكومية لبناء مؤشرات مختلفة لقياس معدل البطالة والأسعار والإنتاجية والإنفاق الحكومي. فعن طريق توفير معلومات عن عدد المتقدمين لمكتب العمل لطلب وظائف شهرياً يمكن بناء تصور عن عدد العاطلين عن العمل. وبحكم أن الاقتصاد السعودي يعتمد بشكل كبير على العمالة الواردة من الخارج، يمكن أيضاً استخدام عدد فيز العمالة المصدرة كمؤشر على زيادة أو انخفاض عدد العمالة الأجنبية. وهذان المؤشران سوف يوفران مزيجاً يمكن به تصور اتجاهات سوق العمل ومدى ارتباطها بالأداء الاقتصادي. أيضاً أعتقد أنه ليس من الصعوبة توفير معلومات شهرية عن مؤشر أسعار المستهلكين (التضخم) بقياس التغير في أسعار السلع ذات الوزن الاستهلاكي الأكبر في سلة المستهلك السعودي. قيمة الإنفاق الحكومي أيضاً يمكن قياس تأثيرها من خلال توفير بيانات شهرية عن إجمالي قيمة أوامر الدفع المصروفة. هذا المؤشر سيعطي فكرة عن التدفقات المالية المتوافرة لدى قطاع الأعمال. أيضاً نستطيع قياس التغيرات في قطاع الإسكان بمتابعة التغيرات في عدد فسوح البناء المصدرة. كذلك يمكن استخدام مؤشر مبيعات محلات التجزئة الكبرى كـ "العزيزية بنده" و"العثيم" وغيرهما، كمؤشر على ثقة المستهلك ومتابعة التغير في إنفاقه. أيضاً يمكن أن يكون لإجمالي وعدد القروض الاستثمارية الممنوحة أو قيمة التسهيلات البنكية الممنوحة للمستثمرين في سوق الأسهم دور في توقع اتجاهات السوق. الفكرة ببساطة أننا يمكن أن نوفر معلومات متعددة نستطيع من خلالها التنبؤ بشكل أو بآخر بأداء السوق المستقبلي ومن ثم خلق سوق أكثر كفاءة. السؤال المطروح هو من يجب أن يوفر هذه البيانات؟ هل هي القطاعات الحكومية المختلفة أم القطاع الخاص؟ أعتقد أن على الجميع أن يضافر الجهود من أجل توفير هذه المعلومات، ولكن أعتقد أنه من الأفضل أن يقوم القطاع الخاص بدور كبير في عملية بناء ونشر ولو بعض من هذه المؤشرات بشكل دوري. فالبنوك والمكاتب الاستشارية تستطيع بما لديها من ارتباطات بالقطاع الخاص أن توفر المعلومات المتعلقة بمبيعات التجزئة والإنتاجية والأسعار بينما تستطيع الجهات الحكومية توفير المعلومات المتعلقة بالبطالة والإنفاق الحكومي. أضف إلى ذلك أهمية أن يكون لأقسام الاقتصاد والمالية في الجامعات السعودية دور كبير في القيام بدراسات دورية تقييمية سواء لأداء الاقتصاد العام أو لأداء الأسواق المالية. إن المعلومة في عصرنا الحاضر هي سلعة تباع وتشترى ويمكن بطريقة وأخرى تغطية التكاليف المترتبة على عملية بناء هذه المعلومات عن طريق تسويقها وبيعها سواء لوسائل الإعلام أو للشركات الاستثمارية المتعطشة للمعلومة أينما كانت.