رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


عصر الحكمة وضبط الجودة

يدور النقاش بين المفكرين أصحاب الرؤى والتنبؤات في المجال الاقتصادي عن ماهية القطاع الاقتصادي الجديد الذي سيستحدث في السنوات القادمة؟ وما حجمه؟ هل سيكون مثل قطاع اقتصاديات المعرفة الذي أصبح يشكل نصف إجمالي الناتج المحلي لبعض الدول المتقدمة في فترة وجيزة؟
في حواراتنا كمهتمين بمستقبل بلادنا الاقتصادي نتمحور بطريقة أو بأخرى حول الاستدامة الاقتصادية، حيث نتمنى الخروج من عالم اقتصاديات الموارد الطبيعية الناضبة إلى عالم الاقتصاديات المستدامة النامية، ولذلك تجدنا نتجاذب أطراف الحديث حول حفلة اقتصاديات المعرفة، وفيما إذا كان بالإمكان إدراكها والظفر بشيء منها من جهة، وحول الحفلة الاقتصادية القادمة من جهة أخرى، وفيما إذا كان بالإمكان معرفتها منذ الآن والاستعداد لاغتنام فرصها بالاستثمار الأمثل لمواردنا المتاحة حاليا بما في ذلك الموارد البشرية التي يمكن أن نحولها إلى طاقة إبداعية خلاقة منتجة بدل أن تكون عالة على الموارد الطبيعية.
اقتصاديات المعرفة نشأت نتيجة لتزاوج تقنية المعلومات بتقنية الاتصالات وأصبحت قطاعا عريضا يولد الكثير من الفرص الاستثمارية والوظيفية الهائلة في عالم افتراضي يتصل بالعالم المادي وينفصل عنه بطريقة مذهلة وغير متوقعة، عالم لا زال يصعب على الكثير منا سبر أعماقه ومعرفة آثاره على جميع المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ولذلك تجد كثيرا من المستثمرين وبجميع مستوياتهم خصوصا في الدول النامية لا يرغبون في الاستثمار فيه الأمر الذي أفقدنا فرصة اللحاق بريادة الغرب الذي حقق نجاحات هائلة وإيرادات ضخمة في هذه القطاع الكبير، وها هي شركة آبل تحقق إيرادات بالمليارات في أيام معدودات بعد طرحها لأي فون 5 والذي يعتبر مثالا لمنتجات اقتصاديات المعرفة فضلا عما يحققه موقع جوجل وشركة مايكروسوفت وأوراكل وغيرهم الكثير.
بطبيعة الحال موقفنا الحالي من حفلة اقتصاديات المعرفة يشي بما لا يدع مجالا للشك بأننا لن نكون جاهزين لاستثمار أي حفلة اقتصادية قادمة حتى لو توقعناها وأصاب توقعنا ذلك أن مجتمعنا الاقتصادي متأخر الاستجابة لأي متغيرات اقتصادية دولية فضلا عن كونه مجتمعا غير استباقي وغير ريادي، ولا ألوم مجتمعنا الاقتصادي في ذلك فهو مجتمع ناشئ في اقتصاد رعوي لعبت الحماية والتشجيع فيه دورا كبيرا في استرخاء عضلاته التنافسية، ولا يمكن لنا أن نتصوره منافسا للمجتمع الاقتصادي الغربي الذي نشأ وترعرع ونما في اقتصاديات رأسمالية متنافسة بطريقة شرسة لا مجال للتراخي فيها، حيث ما إن يتراخى حتى تطحنه قوى السوق الأخرى طحنا فتخرجه من السوق دون رحمة ما لم يكن موظفا كبيرا للموارد البشرية.
يظن البعض أن الابتكار هو المحفز الأساسي للاقتصاديات الجديدة كما هو حال الاقتصاد المعرفي الذي انطلق نتيجة الابتكارات الهائلة في عالم المعلومات والاتصالات، وهؤلاء يشيرون بطريقة أو بأخرى إلى أن القطاع الاقتصادي القادم قد يكون قطاع علم الجينات بجميع استخداماته المدنية والعسكرية، حيث يلاحظون توجه قدر لا بأس به من أموال التمويل لأبحاث الجينات، وقد يكون ذلك صحيحا والشهور إن لم تكن السنوات القليلة القادمة ستظهر لنا صحة ذلك.
البعض الآخر من المفكرين في مستقبل الاقتصاد العالمي يظنون أن البيئة الجديدة الناشئة عن اقتصاديات المعرفة خصوصا بعد ثورة الإعلام الاجتماعي ستلعب دورا كبيرا في إطلاق قطاع اقتصادي جديد، ويقول هؤلاء إنه ونتيجة للمعرفة الهائلة التي يتلقاها الأفراد يوميا ويتداولونها وينتقدونها ويضيفون عليها ستؤدي لا محالة إلى نشوء ما يسمى المجتمعات الحكيمة عالية الوعي والقادرة على التواصل وتكوين الكتل والمجموعات والضغط باتجاه تطوير القطاعات الاقتصادية الحالية بطريقة متسارعة وباتجاهات جديدة، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى تضغط أو تدفع باتجاه استحداث قطاعات اقتصادية جديدة مثل اقتصاديات الجينات أو النانو أو غير ذلك.
اقتصاديات المعرفة التي ستؤدي لنشوء مجتمع الحكمة وبالتالي اقتصاديات الحكمة أحدثت تغيرا كبيرا في المتغيرات الاقتصادية العميقة التي تؤثر في حياتنا واقتصادياتنا، حيث أعادت تشكيل مفهوم العمل والزمان والمكان كما يقول الفين وهايدي توفلر مؤلفا كتاب ''الثروة واقتصاد المعرفة''، حيث الرجوع من عالم الوظيفة محددة الزمان والمكان إلى العمل المفتوح زمانا ومكانا، وحيث ازدياد الاهتمام بقضية التزامن بشكل كبير لتحقيق الجودة من ناحية وحيث انكسار عامل الزمن كحد للتعامل التجاري، فالمواقع الإلكترونية تعمل على مدار الساعة، وحيث التحولات في عالم المكان من جهة استخدام الأفراد ومن جهة تركز الأسواق ومواقع الإنتاج والتخزين والتوزيع في مناطق متعددة من العالم.
هذه التغيرات وما ينتج عنها من ارتفاع هائل في الوعي أدت وستؤدي لمجتمع الحكمة الذي يتكون من أفراد أكثر وعياً بالواقع والصواب والخطأ والأنسب والأفضل وحقوقهم كافة وواجباتهم وواقعهم مقارنة مع واقع الآخرين، أفراد أكثر حرية وإرادة وشجاعة وإقداما وقدرة على التكتل والتأثير في الواقع بمفرداته وكلياته، الأمر الذي يتطلب وعياً مقابلا من النخب في جميع المجالات والاقتصادية منها على وجه الخصوص ومن رجال الأعمال والمستثمرين بجميع مستوياتهم لرفع الجودة وضبطها بما يتناسب والمعايير الدولية المتعارف عليها وإلا بارت البضاعة وكسدت التجارة وفشلت الاستثمارات.
ختاما: كلنا نلاحظ ارتفاع معدلات جودة الحياة بشكل متسارع نتيجة الابتكارات وتطبيقاتها وبكل تأكيد ارتفاع مستوى الوعي العام والوصول لمجتمع الحكمة سيجعل جودة الحياة في أعلى معدلاتها ذلك أن المجتمع الجديد أصبح قوة واعية مترابطة ذات أثر بالغ لا يقبل من أيٍ كان التحايل أو التلاعب أو التقاعس عن تحقيق معايير الجودة العالمية المعيارية السائدة في العالم المتقدم، وعلى النخب الاقتصادية الاستعداد لذلك من أجل الاستمرارية والنمو في أسواق متداخلة تتنافس بشراسة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي