توطين الوظائف: التخصيص لم ينجح أحد

يتوقع أن يصل حجم القوى العاملة في السوق السعودية إلى قرابة 15 مليون عامل بحلول 2024 حسب كتاب رؤية الاقتصاد السعودي 2025 الصادر من وزارة الاقتصاد والتخطيط. يشكل السعوديون من هذه القوة نسبة 79 في المائة ليصلوا إلى قرابة 11.85 مليون عامل سعودي وبنسبة مشاركة تقارب الثلثين للذكور والثلث الباقي للإناث. وعلى الرغم من هذا المستهدف الطموح إلا أن ''بحث القوى العاملة'' للعام الحالي الصادر من مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات يحمل حقائق تدعو للقلق ناهيك عن اهتزاز الطموح بتحقيق مستهدفات 2025 التنموية. حيث أعلن البحث إلى وصول حجم القوى العاملة هذا العام 11 مليون عامل وبنسبة بطالة غير مقنعة تصل إلى 6 في المائة، ونسبة مشاركة تصل إلى 85 في المائة للذكور و15 في المائة الباقية للإناث. يمثل السعوديون من إجمالي حجم القوى العاملة والبالغ 11 مليون عامل قرابة 45 في المائة. ترتفع نسبة البطالة في القوى العاملة السعودية مقارنة بالقوى العاملة الكلية، السعوديين وغير السعوديين، لتصل إلى 12 في المائة. كما تحتوي القوى العاملة السعودية على نسبة مشاركة تصل إلى 80 في المائة للذكور و20 في المائة الباقية للإناث.
يقودنا التباين الخطير بين هذه الأرقام البينية لواقع حجم القوى العاملة ومستقبلها إلى رسم مجموعة من علامات الاستفهام والتعجب في الوقت الذي نشاهد العملية التنموية السعودية تنجز كل يوم إنجاز جديد بتخصيص قطاع إنتاجي هنا وهناك، وفاتحة المجال أمام سوق العمل لزيادة طاقته الاستيعابية من مختلف الوظائف الجديدة المهنية والفنية والعمالية. علامات تعجب واستفهام ونحن نشاهد أن نسبة توطين الوظائف في الوظائف المستحدثة في سوق العمل السعودي خلال العقد الماضي الذي صادف تخصيص معظم القطاعات الإنتاجية بلغ معدل وظيفة سعودية واحدة مستحدثة لكل وظيفتين غير سعوديتين مستحدثتين. ينخفض هذا المعدل في الوظائف المستحدثة في القطاع العام ليصل إلى 1.1، بينما يزداد في القطاع الخاص ليصل إلى 2.2 حسب تقرير صندوق النقد الدولي الأخير عن الاقتصاد السعودي. حيث أوضح التقرير أن الاقتصاد السعودي استطاع استحداث وتوظيف قرابة 2.6 مليون وظيفة خلال الفترة 2000 ـــ 2010 موزعة بين القطاع العام بنسبة 10 في المائة (أي 254 ألف وظيفة) والقطاع الخاص بنسبة 90 في المائة (أي 2.3 مليون وظيفة). كما بلغت نسبة التوطين في الوظائف المستحدثة في القطاع العام 92 في المائة، بينما بلغت النسبة ذاتها في القطاع الخاص 45.56 في المائة.
يقودنا هذا الاختلال في التوزيع البيني بين الوظائف المستحدثة إلى النظر في عدد من التجارب السعودية في مجال تخصيص عدد من القطاعات الإنتاجية ذات الفرص الوظيفية الكبيرة كالاتصالات والطيران المدني. فأحد التطورات في تجربة تخصيص قطاع الاتصالات السعودي خلال العقد الماضي إسناد أنشطة كانت تؤدى بأيدي منسوبي ''الاتصالات السعودية'' إلى شركات القطاع الخاص التي أسندتها بدورها إلى عمالة وافدة لأسباب غير منطقية، من أهمها تقليل تكلفة التشغيل وزيادة الإنتاجية بعد أن كانت تقدم بأيدي عمالة وطنية. من الأمثلة على هذه الأنشطة أنشطة تركيبات الهاتف الثابت وإعادة بيع خدمات الاتصالات.
عقبت تجربة تخصيص قطاع الاتصالات تجربة تخصيص قطاع الطيران المدني والتي كانت من أهم تطوراتها التصريح لمجموعة من شركات القطاع الخاص بتقديم خدمات المساندة للطيران، ما أسهم في زيادة عدد شركات القطاع الخاص العاملة في قطاع الطيران المدني وتنوع خدماتها ومنتجاتها. وعلى الرغم من ذلك إلا أن حالة مشابهة لما حدث في قطاع الاتصالات حدثت في قطاع الطيران المدني عندما أسندت مهام خدمات المساندة إلى عمالة وافدة لأسباب غير منطقية، من أهمها تقليل تكلفة التشغيل وزيادة الإنتاجية كذلك. من الأمثلة على هذه الأنشطة أنشطة الخدمات الأرضية والتموين الغذائي.
حدثت بعد ذلك تجارب عديدة، من أهمها تحرير قطاعات الاستثمار، والإعلام، والطاقة، والمياه، والتأمين، وأخيرا وليس آخراً، قطاع التربية والتعليم من خلال العمل لتخصيص مجموعة من الخدمات المساندة في القطاع، كالمباني المدرسية، والنقل المدرسي، والتغذية المدرسية. والبوادر تشير إلى أن هذه التجارب اللاحقة ستحذو حذو تجربتي تخصيص قطاع الاتصالات والطيران المدني في إعطاء محور تعظيم الموجودات المالية الأولوية دون تلازمه مع محور توطين الوظائف.
تقودنا القراءة السريعة لاختلال الأرقام البينية لواقع حجم القوى العاملة وكذلك تجربتي تخصيص قطاع الاتصالات والطيران المدني، إلى النظر فيما أعلنه وزير العمل مطلع الأسبوع الحالي عن السمات الجديدة في النسخة الجديدة من برنامج ''نطاقات'' من تحديد الحد الأدنى لأجر العامل السعودي بثلاثة آلاف لاحتسابه ضمن نسبة التوطين في برنامج ''نطاقات''، وكذلك معالجة وضع عامل الدوام الجزئي، وعمل الطالب، والعامل من ذوي الإعاقة القادرين على العمل، والعامل من السجناء المفرج عنهم.
جميع هذه السمات الجديدة على الرغم مما يتوقع أن تسهم به في توطين الوظائف ومساعدة العامل السعودي في تذليل عوائق العمل في القطاع الخاص، إلا أن الطموح من برنامج ''نطاقات'' أن يذهب إلى أبعد من التوطين الكمي الذي ينظر إلى عدد العاملين السعوديين فقط في منشآت القطاع الخاص، إلى التوطين النوعي من خلال المبادرة بالمشاركة الفعالة في برامج التخصيص القائمة من خلال النظر إلى حجم رواتب العاملين السعوديين ومستوياتهم المهنية في السلم الوظيفي لمنشآتهم المخصصة، وحجم المسؤوليات التي يؤدونها، ومستقبل مسارهم الوظيفي، والدور الوطني الذي يؤدونه نحو خدمة العملية التنموية السعودية.
والدافع خلف ذلك هو الدلالات التي تشير إلى تحييد مهام توطين الوظائف خلال عمليات تخصيص القطاعات الإنتاجية في السابق بدليل ما تحقق من نسب توطين منخفضة خلال العقد الماضي ومستهدفات التوطين المرتفعة بنهاية العقد الحالي على الرغم من ما يمر به الاقتصاد السعودي من نهضة تنموية أسفرت مما أسفرت عنه زيادة الطاقة الاستيعابية لسوق العمل السعودي بتخصيص معظم القطاعات الإنتاجية ذات الفرص الوظيفية الكبيرة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي