النتاج الأدبي وثورة الاتصالات.. آراء متباينة للمثقفين
تباينت آراء عدد من المثقفين والأدباء حول النتاج الثقافي والأدبي اليوم عنه ما قبل ثورة انتشار الوسائط الحديثة، ففي حين ذهب البعض إلى توصيف ''هشاشة النتاج الثقافي'' في الكثير مما ينشر اليوم عما كان ينشر في زمن الرواد الأوائل من الأدباء، حيث تميز حينها ذاك النتاج بالعلمية والرصانة والنفس العلمي، يرى البعض الآخر أن وسائل الاتصال الحديث أضفت إلى هذا الأدب زخماً كثيفا وكانت كفيلة بانتشاره وتجويده.
أنصار الاتجاه الأول يرون أن الإعلام الحديث أسهم في انتشار النتاج الثقافي والأدبي، إلاّ أنه ليس كفيلاً في جميع الأحوال على ضمان نجاحه ما لم يكن المشروع الثقافي نفسه مقنعاً.
#3#
''الاقتصادية'' فتحت هذا الملف مع عدد من المثقفين والأدباء في الخليج العربي، حيث ذكرت الأديبة سعدية مفرح من الكويت أنها لا تعتقد أن الإنتاج الأدبي قد أصيب بالهشاشة، وقالت حتى لو أن البعض يرى ذلك، فأنا أيضا لا أعتقد أن مواقع التواصل الاجتماعي كالفيس بوك وتويتر هي السبب، بل العكس هو الصحيح، فهذه المواقع تحديدا أسهمت في ترويج الكتاب الأدبي بشكل لم يسبق له مثيل، وشجعت الكثيرين على القراءة وتبادل الآراء النقدية والانطباعية حول ما يقرأون، وأضافت: ''أقول ذلك عن تجربة خاصة بي ليس كمؤلفة للكتب وحسب، بل أيضا كقارئة ومشاركة في هذه المواقع بفعالية كبيرة وبشكل متواصل''.
وقالت إنها ليست من هواة تقييم الإنتاج الأدبي كحزمة واحدة، ولا تؤيد وضع كل الكتب في سلة واحدة، والحكم عليها بشكل موحد، مشيرة إلى أن التجارب متعددة ومستوياتها مختلفة، وما أنتجه الشباب ـــ الذين يقدمون على النشر لأول مرة ــــ من كتب أدبية كالقصة القصيرة والشعر والرواية، كثير جدا، وبمستويات نقدية متفاوتة، ولعله من الظلم لهذه التجارب أن نحكم عليها بالهشاشة، وقالت إنه من مضاعفة الظلم لها ولمواقع التواصل الاجتماعي أن نعيد أسباب الهشاشة المفترضة تلك إلى تلك المواقع.
وأضافت ''كل ما في الأمر في رأيي أن تويتر والفيس بوك وغودريدر وغيرها، أسهمت فعلا في الترويج الكبير لكتب الشباب، مقارنة لها بكتب الراسخين في أمور الكتابة والتأليف والنشر من الأجيال السابقة بحكم إجادة هؤلاء الشباب للتعامل مع الإنترنت ومعطياته من مواقع جديدة بشكل كبير ومحترف على عكس كُتاب الأجيال السابقة، الذين لا يعرف الكثيرون منهم كيف يتعاملون مع هذه المواقع، وإن عرفوا فيبقون في المستويات الدنيا لإمكاناتها، وهذا جعل نتاجهم بعيدا عن المشهد الإعلامي بشكل عام، والصحفي الثقافي بشكل خاص''.
كما أن ذلك على صعيد آخر جعل من المقارنة بين النتاج الأدبي المنتشر قبل سيادة مواقع التواصل الاجتماعي أكثر جودة مما انتشر بعده، تصب نتائجها لصالح القديم المترسخ في الذاكرة النقدية وذائقة القراء أولا، خاصة أن هذا المشهد صار يعتمد على الإنترنت كمصدر أول للمعلومة، أي أن هناك ما يشبه الخدعة في الأمر، وهو ما جعل كثيرين يؤمنون أن النتاج الأدبي، الذي كان سائداً قبل عشر سنوات أفضل من نتاج هذه الأيام، وهذا كما أرى غير صحيح.
ويرى خالد الطويل عضو مجلس إدارة نادي المدينة الأدبي الإعلامي أن قضية ضعف الإنتاج الثقافي يمكن أن تناقش من أكثر من زاوية بينها ما يسمى اليوم بالنشر المشترك، وكذلك النشر الإلكتروني، الذي اتجهت إليه كثيرا من الأندية والمؤسسات الثقافية لعدة أسباب بينها الخلاص من مشكلة ضعف التوزيع، الذي قاد عددا من إصدارات الأندية على وجه الخصوص إلى أن تبقى حبيسة المستودعات رغم أن معظمها يوزع مجانا، وفي مناسبات مختلفة.
وأضاف ''إذا كان النشر المشترك، خصوصا في الأندية، التي أحسنت اختيار دور النشر، التي عقدت اتفاقيات معها قد أسهم في حضور الكتاب المحلي في المعارض الدولية وأعطته وهجا على مستوى الطباعة والإخراج، إلا أن المشكلة ظلت في كثير من الأحيان في جودة الإنتاج نفسه، خصوصا على المستوى الأدبي، وغالبا ما تجد عناوين دراسات ثقافية ونقدية وأدبية براقة في حين أن المتن الكتابي نفسه لا يذهب بك بعيد وغالبا ما تفضي قراءته إلى ضبابية غير مفهومة، وتجد نفسك أمام حالة من الاستعراض المفاهيمي والثقافي أكثر من الحرص على التحليل والمعالجة العميقة للقضية المطروحة''.
وأكد الطويل أن هذا لا يعني عدم توافر دراسات جادة ومقنعة بين الفترة والأخرى، إلا أنها تظل نادرة، مقارنة بما كانت تفرزه آلات الطباعة مع الرعيل الأول من الأدباء والمثقفين، حيث تشعر في مؤلفات ذلك الرعيل بمستوى العلمية والدقة في الكتابة والحرص على اللغة، وقبل ذلك وجاهة الموضوع المطروح، الذي يترك أثره لمدة طويلة.
وأضاف: صحيح أن وسائط النشر الإلكتروني الحديثة باتت وسيلة لانتشار الكتاب وتوفيره ربما بأسعار معقولة وأحيانا بالمجان، إلا أنها لن تكون في يوم من الأيام كفيلة بنجاحه ما لم يكن الكتاب نفسه مقنعا في متنه ومحتواه وأهمية الموضوع الذي يتناوله.
وقال إن الإيقاع العصري المتسارع حولنا في كل شيء تقريبا قد خلق هذا النمط من الكتابة والنتاج الثقافي المتسرع، فتجد حولك من يكتب في أي شيء وفي كل وقت دون تركيز، وأتصور أخيرا أن الزمن كفيل بإيجاد حالة إفراز وتصحيح ومعالجة لمثل هذا النتاج الهش والضعيف، خصوصا أن نتاجنا المعرفي، كما تكشف الإحصائيات في عالمنا العربي أقل بكثير مما تنتجه ربما دولة أوروبية واحدة مثل إسبانيا.
#2#
أما الكاتب والمفكر إبراهيم البليهي، فإنه يرى أن القول بأن ''الإنتاج الأدبي قد مال إلى الهشاشة والضعف بعد ظهور الإنترنت'' لا يمكن قبوله بإطلاق بل ربما أن العكس هو الحاصل، حيث إن الإنترنت وسع دائرة المشاركين بشكل طفرة غير مسبوقة في التاريخ، فأصبح العدد كبيرا جداً من أشخاص لم يسبق لهم الإبداع، وأضاف أن المبدعين سيبقون مبدعين لكن عددهم لم يكن كبيراً، فانضمت إليهم مجموعات كبيرة ليست منهم أصلاً، ولكن الإنترنت سيتيح مستقبلاً فرصة لظهور عدد أكبر من المبدعين، لأنهم يمارسون مهاراتهم بحرية، ويتدربون على الكتابة باستمرار، ويتواصلون مع غيرهم، وهذا الأمر ـــ حسب قوله ـــ كان في السابق متاحاً للمبتدئين، لذلك وفر الإنترنت وسيلة إيجابية للمشاركة والتدريب والظهور.
يذكر أن كثيرا من الأندية الأدبية اتجهت في الآونة الأخيرة إلى تفعيل قضية النشر المشترك، وذلك للمساهمة أكثر في رواج الكتاب من خلال الاتفاق مع دور نشر عربية شهيرة ويرى البعض أن الحكم لا زال مبكرا على ما تنتجه تلك الدور بالتعاون مع الأندية الأدبية، خصوصاً في ظل وجود نفس تجاري يطغى على الهم الثقافي في مثل هذه المشاريع.