البريد السعودي.. بين فرض خدماته والقناعة بها!
لعل البعض منا ما زال يتذكر ساعي البريد بدراجته العادية والحقيبة الجلدية التي يلفها حاملها حول جسده.. وكان هذا الساعي سعودي الجنسية وغالباً فوق الـ 40 من العمر يتمتع بروح مرحة وابتسامة دائمة، ولذا يستقبل من الجميع بالترحيب لكونه بمنزلة صديق يتردّد عليهم أسبوعياً وربما يومياً ومعه الرسائل الملونة التي تحمل الأخبار السارة لهم في وقت لم تكن هناك وسائل للاتصال غير المراسلة التي يصنفها البعض في رسائلهم آنذاك بأنها (نصف المشاهدة).
وهنا أرد على ذلك المدعي بأنه (ساعي بريد قديم)، والذي نشرت رسالته مع الأسف على الموقع الرسمي لمؤسسة البريد السعودي، حيث يقول بالحرف (قبل عقود كان لدى البريد أزمة ضمير، إذ كان بعض موظفيه يتدفأون على رسائل البريد أو يرمي ساعي البريد الرسائل في أقرب مكب للقاذورات ثم يمضي لأعماله الشخصية قبل أن يذهب للمسجد ليصلي الظهر ويدعو الله أن يرزقه بصفته إنساناً طيباًَ وخيراً ولا يفعل الشرور).. والأدهى من ذلك أن تمضي الرسالة التي حظيت بمباركة مؤسسة البريد، ولذا فهي موجودة على موقعها حتى اليوم إلى القول (كان مَن يقوم بهذه الأفعال قلة ثم لعدم الرقابة وغياب العقاب أصبحت القلة كثرة من باب الموت مع الجماعة (رحمة). وأمام هذه القسوة في الألفاظ والإساءة لمَن قام على البريد في الماضي وسعاة البريد المخلصين، فإن أقل ما يجب حذف هذه الرسالة المسيئة من موقع مؤسسة البريد مع الاعتذار الشديد على هذه السقطة الإعلامية!
وبعد ثورة الاتصالات دخلت الوسائل الحديثة واختفى ساعي البريد وطلب منا أن نحضر الى صناديق البريد لتسلُّم الرسائل الواردة إلينا وما زلنا نفعل ذلك حتى اليوم.
وعلى صعيد الأعمال دخلت شركات النقل السريع العالمية فاستولت على السوق ثم جاء البريد السعودي متأخراً يحاول استعادة حصته من السوق.. لكن أسلوبه في ذلك - حسب رأيي - لم يكن موفقاً لأنه اعتمد أسلوب فرض خدماته بدل الإقناع بها وذلك بوضع الصناديق على أبواب منازلنا دون موافقة منا وطلب تسديد تكاليفها التي حدّدها.. ولم تكن هناك استجابة كافية، ولذا فقد ظلت هذه الصناديق تلعب بها الرياح ويعلوها الغبار.. هذا على مستوى بريد الأفراد، أما الشركات والأعمال فقد لجأ البريد السعودي إلى بعض الجهات الحكومية لكي تشترط عدم تسلّم أي معاملات إلا عن طريقه.. ليس مقابل دفع قيمة الإرسالية فقط وإنما لا بد من اشتراك سنوي يصل إلى ثلاثة آلاف ريال، لكي ترسل ربما رسالة واحدة في العام وهذا فرض غير مقبول. وأخيراً: لمؤسسة البريد السعودي أن تسعى لتنمية أعمالها معتمدة على الدعم اللامحدود الذي قُدِّم لها من قِبل الدولة وعلى الجوائز العديدة التي حصلت عليها عالمياً وعلى أنظمتها الحديثة، ولكن ليس على حساب الإساءة لماضي البريد السعودي الذي يفخر به كل مواطن على عكس ما ورد في الرسالة التي أشرت إليها والتي نشرت ضمن الحملة الإعلانية لمؤسسة البريد.. تلك الحملة التي كلفت الكثير من الجهد والمال الذي كان يمكن بهما تقديم خدمة أفضل للمواطن بتكاليف معقولة يقبلها الجميع عن قناعة تامة.