بين وعي الممارس الصحي والتميز في أدائه

لقد غير استخدام الأجهزة المحمولة ممارسة مهنة الطب والخدمات الطبية المساندة كالتمريض والعلاج الطبيعي وغيرهما. ولقد أصبح استخدام الهاتف النقال والآيباد ومثيلاتهما من الأجهزة يضيف للخدمة الصحية بعدا جديدا للمريض أو الممارس الصحي أو صاحب العلاقة، حيث الاتصال واستقبال نتائج الفحوص ومحاورة الأطباء وتلقي العروض الخاصة بالوظائف أو الاستثمارية في المجال ذاته، وما إلى ذلك من ربط بين نقاط متعددة لسبب وجيه أو غير وجيه، أو تقديم خدمة إضافية قد يكون لها تأثير لدى البعض. بالطبع الأجهزة أدوات عرض وتوصيل، ولكن البرامج هي التي توفر وتتيح هذه الخدمات بتطبيقات متعددة الوظائف يتمايز بعضها عن بعض بخواص أكثر أو سهولة استخدام.
هذا التحول بدأ يسحب الورق من المكاتب والمحطات الخدمية في المرافق الصحية (مع استمرار استخدامه الآن)، وبالتالي أصبحت آلية العمل وتقديم الخدمة محورة بطريقة مستجدة وتحتم على الممارسين الصحيين بالذات القدرة على استخدام الأجهزة التقنية الأخرى والاعتماد عليها بشكل كبير بين كامل أفراد الطاقم الصحي العامل في أي مرفق صحي. هذا لا يعني مجرد الاستخدام بقدر ما هو الاحتراف فيه والتمكن لأهمية تسريع الإجراء والحصول على دقة تنفيذه.
لقد أجري عديد من الدراسات على مستوى العالم كانت قد ركزت على أهمية واستعداد الممارس الصحي في المرفق الصحي لتقديم خدماته بكفاءة وبذل النفس لإصحاح كل مريض. إن أهمية الممارس تكمن في توفير التخصصات المختلفة والتمتع بالقدرة والخبرة الكافيتين لتقديم الرعاية الصحية للمرضى. في حين أن الاستعداد قصد به استخدام المهارات وابتكار الأساليب التي تجعل تنفيذ المهام بجودة عالية.
في إحدى الدراسات وضح أن التعامل مع الحاسب الآلي لا يعني بالضرورة فهم كل ما يمكن أن تقدمه البرامج والأجهزة للإنسان. ولكن إذا ما أراد الممارس ذلك فالنتيجة هي لصالحه. فكم البيانات أو المعلومات يمكن أن يكون مفيدا ويمكن ألا يكون مفيدا ألبتة. كما أن التوقيت والوقت إذا لم يستفد منهما والأموال التي صرفت على دورات قصيرة لم يكسب منها الممارس أكثر من 20 في المائة فانتكاسة العمل متوقعة والخروج من هذه الدائرة أمر محتوم.
لذلك على الممارس أن يتبنى ثلاثة مبادئ ويتفادى الوقوع في ثلاثة، ليكون التطوير منوطاً بأهل العلم والخبرة والدراية بدلا من أن يكون مبنيا على الثقة فقط. بتبني الثلاثة الأولى يتجنب مقدم الخدمة أن يصبح منتهي الصلاحية، أما الابتعاد عن الثانية فهو لإجادة الأساليب التي ينهجها في عمله اليومي. الثلاثة الأولى تتمحور حول: فتح الأذهان لكل إتقان، واحترام آراء الآخرين وقدراتهم، والتركيز في التوجهات والميول الحالية والواعدة في سوق العمل. أما القواعد الثلاثة الأخرى فهي: التمسك بقديم الوسائل والأساليب، اختلاق الأعذار عند الفشل، والتوقف عن زيادة المعرفة وتضخيم مخزون المعلومات.
في السابق كانت الأقدمية أو الفئة العمرية أو الخبرة المهنية هي ما يميز بين العاملين في المرفق الصحي، ولكن الآن فالضمانات السابقة لم تعد هي المتعارف عليها والمتبعة في التقييم؛ حيث إن المتمكن من استخدام التقنيات والمستمر في تطوير ذاته ورفع قيمته في المجال هي ما يثبت إقدامه ويقلص من إمكانية الاستغناء عنه. هذا يؤكد أن التميز الذي يبحث عنه المهني في المجال الصحي لا بد أن يوجه نحو مدى يمكنه من المعلومات والمهارات التي تجعله وتقوده لتقديم الخدمة في أجود أسلوب في هذا التخصص أو تلك الممارسة. أما المظاهر المساندة لإكمال حسن الصورة الفردية كاللبس واقتناء أرقى وأجمل المقتنيات أو البذل بسخاء في المجاملات الاجتماعية كالملبس أو المركب أو القدرة المالية، فقد أصبحت ذات قيمة دنيا، وعلى الممارس الحذر من تفضيلها على مستوى تقديم الخدمة.
لقد أصبحت التخصصات الصحية ذات تميز بين بعضها البعض في حد ذاتها لوجود الدراسات العلمية التي تركزت وأسهمت في تطوير مهارة أو ابتكار أو إعادة كتابة سياسات وإجراءات العمل. فبعض الممارسين رفعوا مستوى تخصص عن غيره باهتمامهم بتحقيق سلامة المرضى في المقام الأول بالعمل وتدريب المريض على كيفية مواجهة مرضه والتعامل معه بكفاءة عالية. ولكن المجموعة الأخرى (وهم الأكاديميون) كرسوا جهودهم في تطوير المخرجات بتنقيح المحتوى العلمي للمناهج والتدريب الميداني، فأسهم ذلك في إجادة تقديم الخدمة وتحقيق أعلى درجات سلامة المرضى.
من ناحية اقتصادية اعتبرت مستشفيات ولاية ويسكونسين Wisconsin الأمريكية من خلال تميزها في الأداء خلال الفترة 2004 - 2009، الأفضل استفادة من مواردها البشرية، الأمر الذي جذب إليها خلال الأعوام الثلاثة الماضية عشرات الآلاف من الممارسين الصحيين، ورفع فواتير تكلفة الخدمات الصحية فيها لتحقيق أعلى درجات السلامة في الخدمات الصحية الآمنة. عزز ذلك وضعها الاقتصادي وقفز به لمستويات سجل وحسب لها على مستوى الولايات المتحدة قاطبة.
الحج موسم جيد وموعد مناسب للكشف عن التميز بين الممارسين الصحيين، فهل سيكون برنامج التقييم عادلا ومعياريا يمكن تجربته فيه؟ أعتقد أن الأشهر المقبلة ستوضح هذا عندما تتبنى الجهات المقدمة للخدمات الصحية تقدير المتميزين على مستوى المملكة، والله المستعان.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي