رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


النفط نعمة الحاضر فلتكن للمستقبل

لقد منَّ الله - سبحانه وتعالى - على هذه الأمة بأن فتح عليها أبواب الخير باكتشاف أعظم ثروة مادية في التاريخ، ترقد في مكامنها تحت أقدامهم، وعلى أعماق يسر الله لنا الوصول إليها بكل سهولة ويسر. وقدَّر الله بأن يكون استغلالها في وقت وصل فيه التقدم العالمي والتكنولوجيا الصناعية مرحلة مُتقدمة، ما ساعدنا على استخراج هذا الكنز العظيم والاستفادة من مميزاته وخيراته. ولكن هذه الثروة الثمينة، على ضخامتها وقيمتها التي لا تُقدَّر بثمن، أصبحت أمانة في أعناق جيلنا الحاضر، على ألا يستهلكوا منها أكثر من نصيبهم ويوفرون ما يزيد عن حاجتهم للأجيال التي تليهم حتى لا يُبْخَس أحد في نصيبه.
والحق يقال، إنه قد أخذنا الطمع ولعب علينا الجشع، حيث وجدنا ضالتنا في دخل كبير دون أي تعب أو جُهد يُذكر، ولكنه لم يزدنا إلا رفاهية وكسلا مُطبقا. وليس أدل على ذلك إلا كثرة الخدم الذين يعملون في بيوتنا والعمالة الوافدة التي تملأ شوارعنا وتحتل جميع مواقع المهن المختلفة في بلادنا، ونحن نتفرج، لا بل نستمتع بأوقاتنا الفارغة إلا من اللهو والإسراف في المأكل والمشرب، ناهيك عما نمتلك من وسائل النقل المريحة الفارهة التي نستخدمها حتى في ذهابنا إلى المساجد التي لا تبعد عن بيوتنا إلا أمتار قليلة. وجُلَّ همنا وعز فخرنا ينحصر في المظاهر الزائفة من أرقام مركبات وجوالات متميزة أو ''مزاين'' الإبل التي تصل قيمة الواحدة منها إلى الملايين، على الرغم من أنها غير مُنتجة وهالكة، وسرعان ما تفقد قيمتها مع تقدم العمر. وكل هذه المظاهر والتصرفات غير المسؤولة تدفعنا دفعاً إلى طلب المزيد من الدخل الذي يأتي إلينا منساباً من حقول النفط الغزيرة دون عناء يُذكر. فالعالم يتقدم دائماً إلى الأمام ونحن نتراجع بالوتيرة نفسها إلى الخلف، فمن أين لنا أن نلحق بركب الحضارة والتقدم؟
وسيجد الغيورون منا مجالاً واسعاً للتساؤل عن مصير عشرات الآلاف من الطلبة المبتعثين ومن مئات الآلاف الذين يتفوقون في جامعاتنا ومعاهدنا، أليس من المتوقع أنهم يدخلون أسواق العمل، كل حسب تخصصه، مهما كان موقع المسؤولية، ويُبدعون في تأدية أعمالهم؟ فنقول إن هناك شكا في أن طبيعتنا ستتغير بسهولة ويقبِِل شبابنا على ممارسة مختلف المهن، ونحن نرى معظمهم اليوم يميلون إلى الركون وإلى الراحة، بينما جميع الأعمال المهنية والصناعية يشغلها الوافدون. بل نحن نخشى أن التغيير المطلوب من حالة اللامبالاة بين فئات شباب المجتمع إلى الجدية والرغبة في الإنتاج لن يتأتى إلا في الوقت الذي يكون فيه الدخل العام قد انخفض لا قدر الله إلى مستويات لا تسمح لاستمرارية الإسراف في شؤون الحياة. وهذا ما لا نود له أن يحدث في مجتمعنا. نريد أن نكون أكثر جدية وننعم بوجود دخل وطني وفير من صنع أيدينا ونتاج عقولنا.
هناك تقارير طبية حديثة يتم تداولها هذه الأيام، تُشير إلى زيادة غير طبيعية في معدلات الإصابة بمرض السكري بين أفراد المجتمع. وكان التقرير يتحدث عن إحدى الدول المجاورة، ولكنه لا يستثني بقية دول الخليج التي تعاني شعوبها هي الأخرى تضاعف وجود هذا الداء، بسبب الرفاهية والكسل والخمول الذي أصاب شعوب المنطقة كنتيجة للدخل المسرف من هذه الثروة الناضبة. ولو حكَّمنا عقولنا وتصرفنا بثرواتنا بطريقة تخدم مستقبلنا ومستقبل أجيالنا لأصبحنا أمة مُنتِجة، بدلاً من وضعنا الحاضر الذي نعتمد فيه على كل ما هو مُستَورَد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي