الاجتهاد في الأمور الحديثة .. مطلب لتحقيق التوافق مع الواقع المعاصر

الاجتهاد في الأمور الحديثة ..  مطلب لتحقيق التوافق مع الواقع المعاصر

أكد فضيلة الشيخ الدكتور صالح بن غانم السدلان أستاذ الدراسات العليا بكلية الشريعة بالرياض أن اختلاف الفتوى لا يقلل من مكانة المفتي ولا من مكانة الفتوى، لأن هذا إن كان اجتهادا فهو لا يخلو من أجرين إذا كان صائبا أو أجر إذا أخطأ في الفتوى، وطالب فضيلته في حوار لـ "الاقتصادية" وجوب عدم الخروج عن فتوى مفتي البلاد واللجنة الدائمة للإفتاء لأهل العلم في هذه البلاد، وقال إن ذلك من شأنه القضاء على الفتاوى غير المنضبطة وغير الصحيحة في مضمونها، وأفاد أن الباب مفتوح في الاجتهاد لمن كان أهلا لذلك، وأما مواصفات العالم المجتهد فهي تتمثل فيمن عرف برسوخ قدمه في العلم سواء في آيات الأحكام أو المسائل الاجتهادية و المسائل الأصولية والقواعد الفقهية وتطرق إلى عدة أمور تتعلق بالفتوى، وفيما يلي نص الحوار.
* يلاحظ هناك تضارب كبير في الفتوى وخصوصا في الفتاوى الاقتصادية؟
* اختلاف الفتوى هذه سنة معلومة لايمكن أن تنكر ولا يمكن أن تنتفي وخاصة في المسائل الاجتهادية، علما أن الاجتهاد بابه واسع ولا يمكن أن يتطابق اجتهاد مع اجتهاد، واختلاف الفتوى في هذا الشأن أمر شائك، ولكن على المستفتي أن يأخذ بأقربها إلى الحق، إن كان يستطيع أن يتبين ذلك أو بأوثقهم عنده أو أن تكون هذه الفتوى أمرا عاما لا يفتي فيها الأشخاص فرادى، وتكون من بعض القضايا التي ينظر فيها عدد من علماء المسلمين وعدد من التخصصات فهذه لا يؤخذ فيها بقول الأفراد وإنما يرجع إلى الهيئات والمجالس العلمية والهيئات الشرعية لتفتي فتوى موحدة بعيدة عن الاختلاف.

* ولكن هناك من يرى أنه لا يوجد لجان خاصة في النواحي الاقتصادية؟
* إذا كان بالفعل لا يوجد لجان متخصصة للفتوى في الأمور الاقتصادية فإنه ينبغي أن تتوافر الجهود لإنشاء مثل هذه اللجان.

كيف يتصرف المستفتي عندما يسمع فتاوى متناقضة أو نقول بها اختلاف كبير؟

يختار أوثقهم عنده إذا كان عنده استطاعة بذلك وإذا لم يكن عنده قدرة على ذلك فإنه يسمع لفتوى المفتي العام في بلده.

ما الحلول من وجهة نظركم في معالجة مشكلة تضارب الفتوى خاصة أنه يوجد من يرد على فتاوى الآخر؟

الخروج من هذه أن توجد الهيئة العليا التي ترد الناس إلى الصواب فيما يظهر لهم وخاصة مثل من جعل للفتوى كالمفتي العام في المملكة ولأن لديه من الممارسة والمعرفة ما ليس عند غيره.

هناك من يرى أن الاختلاف في الفتوى الواحدة يقلل من مكانة الفتوى خاصة إذا كان التباين كبيرا؟

اختلاف الفتوى لا يقلل من مكانة المفتي ولا من مكانة الفتوى لأن هذا كما تقدم إن كان اجتهادا فهو لا يخلو من أجرين أو أجر ,أما إن كانت الفتوى مخالفة للكتاب والسنة والإجماع , فهذه الفتوى يمكن أن ترد أو تنقض، وهذا إذا كانت المخالفة مخالفة صريحة، ولكن إذا كان النص يحتمل الاجتهاد فلا ضير.

فضيلة الشيخ هل تعتقد أن الأخذ بالأقوال الشاذة لبعض المفتين له دور في حدوث هذه الأزمة؟

تلمس الأقوال الشاذة والرخص منهج مذموم، لذا على الإنسان أن يسعى للاهتمام للحصول على الفتاوى الصحيحة المطابقة للكتاب والسنة من مصادرها الصحيحة ومن العلماء الموثوقين الذين عرفوا برسوخ قدمهم في العلم.

هناك من يرى أن عملية الإفتاء تحتاج إلى تجديد في الطرح؟

التجديد وفق الكتاب والسنة هو أمر مطلوب ولكن أن نجتهد في أمور ليس عليها جمهور الأمة وليست من خصوصية مجتمعنا، ودين الإسلام فهذا أمر غير مطلوب، وينبغي ألا نجمد على فتاوى قديمة من الزمن الماضي لا يستفاد منها في الوقت الحاضر بل يجب أن تتناسب مع زماننا هذا شريطة ألا تكون مخالفة لإجماع الأمة، فديننا شامل وشريعته قادرة على أن تتعامل مع كل زمان ومكان وفقا لأحكام الدين وتعاليمه، ودين الإسلام بأحكامه وقواعده فيه المرونة فما يصلح في هذا الزمان ربما لا يصلح في زمان آخر، والإمام الشافعي لما كان في العراق كانت له آراء فلما ذهب إلى مصر تغيرت الفتوى، وعرف بأقوال أخرى حيث عرف بالقول القديم عندما كان في العراق، وبالقول الجديد عندما قدم مصر، والأئمة لهم أكثر من قول وأكثر من رواية في مسائل كثيرة، كل هذا تقتضيه الأحوال والظروف والبيئات وخاصة وأركز على المسائل الاجتهادية،أما المسائل النصية فينبغي أن يكون الاختلاف نادرا ومعدوما فلا نختلف على المسائل المنصوص عليها في الكتاب والسنة أو أجمع أهل العلم على ذلك.

* ما الشروط التي يجب أن تتوافر في العالم المجتهد أم أنها مفتوح لكل من أراد ذلك؟
* الباب مفتوح في الاجتهاد لمن كان أهلا، وأما مواصفات العالم المجتهد فهو من عرف برسوخ قدمه في العلم سواء في آيات الأحكام أو المسائل الاجتهادية و المسائل الأصولية والقواعد الفقهية، وله تمكن في معرفة الناسخ والمنسوخ، ومتمكن في معرفة المطلق والمقيد، والعام والخاص والمجمل والمبين، ولديه معرفة بهذه الأمور ولديه اطلاع واسع على أقوال العلماء الأقدمين وما سطروه وما قالوه، هذه من الأشياء التي يعرف بها العالم الصالح في الفتوى والاجتهاد.
* كيف ترون الخروج على فتوى هيئة كبار العلماء؟
* من يوجد في بلادنا من أهل العلم غير جائز أن يخرجوا على الفتاوى الصادرة عن اللجنة الدائمة للإفتاء أومن مكتب المفتي في هذه البلاد، لأنه هو المنوط به أمور الفتوى في هذه البلاد، ومهما كان لا يجوز له أن يخالف تلك الفتوى بل لابد من العودة إليهم ومناقشتهم، أما ما يصدر عن مفتي الفضائيات وغيرهم من غير هذه البلاد فهؤلاء لايمكن الطلب منهم التقيد بذلك، لأنهم ليسوا من أهل هذه البلاد ولا نملك أن نقول لهم لا تفتوا بما يخالف فتوى مفتي بلادنا، ونتمنى للجميع التوفيق بما يخدم الدين.
* هل يرى فضيلتكم حاجة إلى تطوير العمل بهيئة كبار العلماء التي نادى بها بعض أهل العلم؟
* التطوير مطلوب والتمشي مع الواقع مطلوب وكون المفتين لديهم اطلاع وإحاطة ومعرفة بفقه الواقع ومتابعين للمستجدات فهذا أمر مهم وهو موجود وملاحظ أن نقول الفتوى الفلانية تنقض فلا، ولكن يجتهدون اجتهادا جديدا كما قال عمر رضي الله عنه لما قالوا له إنك أفتيت في المسألة الفلانية بكذا قال : ذاك على ما قضينا وهذا على ما نقضي فإذا كان التحديث من هذا الجانب فهو جائز.
* وماذا عن المطالبة بتغيير بعض أعضاء هيئة كبار العلماء لكبر سنهم؟
* هذه مسألة إدارية بحتة وهي من اختصاص ولي الأمر بما يرفعه إليه المفتي العام ومن خلال ترشيحه لمن يرى إمكانية بقاء من عدمها، نسأل الله التوفيق والسداد لأولياء أمورنا ولجميع علمائنا وعلى رأسهم مفتي البلاد.

الأكثر قراءة