نحو الاستثمار في مرحلة رياض الأطفال لأسباب تنموية (2 من 2)
إن النشر عن تبني وزارة التربية والتعليم خطة طموحة تستهدف التوسع في مرحلة رياض الأطفال بأن تكون في مبان مستقلة أو ملحقة بمباني بعض المدارس في بعض المناطق لهو مبادرة تستحق عليه الوزارة الشكر. وتوجب تعاون القطاعين الحكومي والخاص لإنجاح هذا المشروع. من جانب آخر نأمل ألا يكون التركيز فقط على التهيئة النفسية للمرحلة الابتدائية، والتهيئة للنقلة المعرفية، حيث الفرق بين مراحل التعليم العام وهذه المرحلة ''عمريا'' وفكرياً. لقد أصبح هذا من العموميات وما نبحث عنه هي التفاصيل التي لم يشر إليها بدقة بعد. الدراسات العلمية منذ الألفية الماضية وبدايات هذه الألفية كثفت حول توجهات شملت نواحي اقتصادية وصحية وغير ذلك من توجهات تحتاج إلى أن نتبناها لصالح مستقبل الأجيال القادمة. ولا بد من الغوص فيها واستنباط النافع منها لازدهار نتوقعه أن يكون مظلة لهذا البلد المعطاء.
هذه المرحلة من التعليم في المملكة ترجع بدايتها إلى خمسة عقود مضت، وحسبما نشر في صحيفة ''الشرق الأوسط'' في عددها رقم 12122 الذي استعرض فيه تقرير حصلت الصحيفة عليه من الوزارة أنه للعام الماضي لا يوجد أكثر من 832 روضة ودار حضانة تابعة للوزارة ولم يذكر عددها التابع للقطاع الخاص. بناء على النشر الإعلامي ما زال المستثمرون ينظرون للعائد لرغبة المجتمع في تنشئة وتربية الأبناء على أفضل وجه. ولكن مدى تأثير ما تم توضيحه من أهمية المرحلة لا يعرف للآن؟ فعدديا مثلاً ألف روضة لا توازي ما يمكن أن يبرر مرور خمسة عقود من الخبرة والدراية والدراسات المتعمقة في مسيرة هذا النوع من الاستثمار. كما أن ما نشر لدينا علميا، وهو غير مرصود بدقة، لا يجيب عن أسئلة بدهية مثل: ما مدى تأثير الالتحاق بهذه المرحلة في عادات الفرد اللاحقة صحياً، وثقافياً، ووظيفيا؟ وبالتالي هل نوقشت مسألة الاستعداد المعرفي في الشأن الصحي؟ بمعنى هل هناك تأثير في وعي الطفل الصحي ببلوغه سن معينة ''متقدمة''؟ وما مدى تأثير الالتحاق بهذه المرحلة في نتائج المراحل التعليمية اللاحقة سواء في التعليم العام أو العالي؟ ثم لأن هذه المرحلة في المملكة العربية السعودية بدأت منذ خمسة عقود، فهل قيس تأثر خريجي الجامعات أو من هم على مقاعد المسؤولية اليوم بالتحاقهم بهذه المرحلة؟ بمعنى هل تطور الفرد ذهنيا من حيث الاهتمام بمن حوله، وما حوله، وما هو مسؤول عنه، وما يملك؟
لقد نشرت أخيرا أبحاث في مدى تأثير مرحلة رياض الأطفال في وعي وفكر الفرد ''إيجاباً'' من حيث صحته البدنية والعقلية، وإصحاح بيئته من حوله، والاهتمام بأحواله الاقتصادية والتخطيط للمستقبل. من المؤكد أنه تم الاطلاع عليها إلا أن الاستفادة منها في توجيه الفكر الاقتصادي إلى واحة مختلفة تتطلب الصبر لتنمية الفكر فتبدو في غير وجهتها التامة. إن الأطفال إذا ما تسلحوا بالمعرفة بطريقة صحيحة فهم يستخدمونها في تحريك الحياة من حولهم ليشعروا بالحيوية في التمتع بصحة جيدة وبدن معافى بعقل سليم ونمط حياة يجنبهم أي سقطة اجتماعية أو اقتصادية أو غير ذلك. فما إن تتقدم بهم السن حتى يظهر جليا استعدادهم وقدرتهم على تفادي وتجنب الجهل والملل والأمراض والعلل والفقر والكسل. لذلك إذا ما أردنا أن نعرف كيف نحظى بمثل هذا المستقبل فعلينا أولا أن نهتم باستراتيجية تطويرية شاملة تكون إحدى ركائزها التعليم في مرحلة ما قبل الابتدائي.
لا بد أن يتم التركيز على تطوير حس الأطفال حيال المسؤولية الفردية والشخصية لصحة وأمن وسلامة تتحسن بالعلم مع مر الزمن. فيحب العمل بأسلوب الفريق الواحد والحفاظ على البيئة المحيطة بهم في المسكن والمعمل والمصنع والمتنزه وغيرهم وتبني أفضل العادات الصحية والعيش في نظام ونبذ العشوائية تكون المناهج والخطط الدراسية قد حددت هوية الجيل القادم. أما اقتصاديا قد يغني عن ذلك أن نكثف إصداراتنا الورقية والإلكترونية على مستوى جميع المناطق من خلال استغلال المناسبات المختلفة وتكثيف بعضها الذي يغري فئات المجتمع المختلفة بالمبادرة في سبيل تنمية عقول جيل المستقبل. ثم اقتناص الفرص لتحفيز المتخصصين والباحثين والمفكرين وأصحاب الأقلام المبدعة لدعم تعديل المسارات والتأكيد على أن في جعبهم ما هو صالح للمستقبل. أما من ناحية المستثمرين فبدفعهم للتوجه نحو تنمية الموارد البشرية بالتعليم والتعلم في مرحلة مبكرة والصبر على النتائج فإنهم سيجدون كل تقدير من كل كبير وصغير.
باختصار شديد لا بد أن يكون وراء دعم وتعزيز ومن ثم تعميم هذه المرحلة جملة أسباب تشمل الوعي الصحي، والوعي البيئي، والوعي العلمي، والوعي الاجتماعي، والوعي الاقتصادي. وأن نكسب بناة للمستقبل المتميزين القادرين على التواصل مع بعضهم البعض بسهولة وباحتراف. وبما أن القطاع الخاص وهو يساهم في هذه المرحلة من التنمية المتسارعة جدير بالحصول على الدعم الذي يعينه على أن يكون رافدا حقيقيا فلا بد من وضوح الأنظمة واللوائح وتوفيرها وتحديثها والالتزام بها من قبل جميع الأطراف المعنية مع عدم التراخي في تطبيقها. يتمم ذلك تنويع وسائل الاتصال المستخدمة، والإصرار على تبني الجودة في الهرم التعليمي من الأسفل للأعلى ومن الداخل للخارج مع تكثيف الاستفادة من الدراسات لتخطيط مستقبلي صحيح.