رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


الاختيار واضح: إما التخصيص أو الفساد

شرعت الحكومة في تأسيس هيئة لمكافحة الفساد كما أن هناك جهات رقابية عدة تسعى في مضمونها للهدف نفسه. أضرار الفساد المعنوية والأخلاقية والاقتصادية والمالية معروفة. ولكن الفساد، على فداحته، ليس أكبر تحدٍّ يواجه الاقتصاد السعودي. الفساد أحد أعراض توسيع القطاع الحكومي وطريقة التفكير والتصرُّف المنبثقة من الاعتماد على التوظيف الحكومي، خاصة عندما يكون مصدر ثراء لأقلية قد تصبح مثالاً جذاباً، حينها نبدأ بإعطاء رسائل خاطئة للكثير. الإشكالية الأكبر هي محدودية الكفاءة وقلة الإنتاجية والتي هي الأخرى بسبب تعاظم دور القطاع العام.
الفساد وقلة الكفاءة وجهان لعملة واحدة في القطاع الحكومي؛ التشكي المزمن من أداء الكثير من القطاعات الحكومية، وفي هذا ظلم واضح على حكومة تصرف أكثر من أي حكومة أخرى، وتحاول جاهدة لإرضاء واسترضاء الجميع. ولكن هذه المحاولة مهما كانت جادة وبريئة إلا أنها لا يمكن أن ترضي الكثير لأن القطاع العام بطبعه غير دقيق وغير سريع وغير شفاف وغير حساس؛ هذه الجوانب من الفساد هي الأكثر ضرراً على المجتمع. مع الوقت ترتفع التكلفة على الحكومة فنسعى إلى مزيد من "العدالة"، حيث تقتضي هذه العدالة سياسة توزيعية ذات فاتورة عالية دون علاقة رتيبة مع الأداء والتكلفة أو حتى العدالة الصحية (المرتبطة بالتوزيع الطبيعي للمواهب والجدية) فنصل إلى أداء سيئ وفساد ولم تشفع لنا المصروفات العالية ولا الكرم الحاتمي مهما حسنت النيّات وهي حسنة بالفعل.
وصلنا إلى طريق مستهلك وعلينا مراجعة أنفسنا قبل أن ننزلق إلى متاهات الفساد غير المالي، والفساد غير المالي أخطر وأشد فتكاً، حيث يرى الكثير أن الوظيفة الحكومية مصدر رزق وسهل (تنازل أخلاقي)، وما هي إلا خطوات بسيطة للطموح لكي يطمع في الحكومة فينتقل من مساهم مزعوم إلى مستغل ثابت، مما يزيد الفجوة بين المكسب والإنتاجية وبالتالي ينتقل من تحدٍّ إداري إلى اجتماعي.
ما الحل؟
أصبح الكثير في الحكومة وخارجها لا يعرف الكفء من غيره، وأصبحت تكاليف الفساد باهظة. فلا موظف كبيراً يستقيل بسبب التعب أو العمر حتى ـــ لا سمح الله ـــ أن الحكومة لم توافق على برنامجه وسياسة المؤسسة أو الوزارة التي يديرها ولا نمو اقتصادياً حقيقياً نستشهد به. الحل الضروري هو تفعيل سياسة التخصيص واستغلال الوفرة المالية لتسهيل تمريرها. على سبيل المثال، التوسع في القطاع الصحي الحكومي لن يكفي دون إصلاح جذري بالتعاون الفعلي مع القطاع الخاص من خلال منظومة قوامها إدارة القطاع الخاص والتأمين الصحي، ولكن هذا بدوره لن ينجح دون حماية الأطباء والفنيين السعوديين. يوضح هذا المثال الحاجة إلى رفع سقف الدور الحكومي من منفذ إلى إداري ورقابي ودون ذلك سنحتاج إلى أكثر من هيئة لمكافحة الفساد مع الوقت، فنحن نحاول الحد من الفساد الذي نعمل على استمراره من خلال تعظيم دور القطاع الحكومي. على سبيل المثال، غيّرنا إدارة المستشفيات من حكومي إلى شركات إلى تشغيل ذاتي، وكأن كل وزير صحة له "رأي" وليس سياسة حكومة، ونسمع عن التأمين، ولكن على خجل وشح في الوضوح.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي